Back Home NextBack to Subject-Page

  

هل القرامطة كانوا مسلمين ؟  الحلقة 2

مقتبس من كتاب ثلاثي الحلم القرمطي لمؤلفه محي الدين اللاذقاني  

 بقلم الدكتور رضا العطار

ridhaalattar@yahoo.com

 

اما عن وضع دولة القرامطة السياسي فأقول انه لم تتهم حركة دينية عبر التاريخ بفساد العقيدة وتشويه السمعة مثلما عرفت بها العقيدة القرمطية. فقد اجمع المؤرخون على ان القرامطة كانوا متأثرين بالأفكار المجوسية، لكنهم مع ذلك تمكنوا من استقطاب الفرق الأسلامية كالشيعة والمعتزلة والزيدية وضمهم تحت لوائهم بشعارات دينية مزيفة نسبوها لشخص الامام جعفر الصادق.
يروي لنا الرحالة الفارسي ناصر خسرو انه عندما زار البحرين عام 442 للهجرة لم يجد فيها جامع واحد تقام فيه الصلاة، فقد سمع من البحارنة ان سلطانهم
ابو سعيد قد عفاهم من ممارسة الفرائض الأسلامية جميعها. وعندما استلم حاكم البحرين من الخليفة العباسي في بغداد رسالة يعاتبه فيها على هدم الجوامع، رد عليه الحاكم القرمطي قائلا: (ان المساجد الاسلامية عندنا اولى بالهدم من غيرها لأنها اصبحت مأوى لمشايخ فجرة، ينشرون الكذب على الناس من على منابرها).

كانت الفرق الدينية في البحرين زمن القرامطة تكفر احداها الأخرى مستنبطة تبريراتها من القرأن والسنة وقد عجز المعاصرون من كشف حقيقة القرامطة فيما لو كانت لهم صلة بالأسلام اصلا، فقد استعملوا الرياء والتدليس في العقيدة، فزعيمهم
ابو طاهر لم يقم مرة واحدة بزيارة احد مراقد ائمة المسلمين طيلة حياته رغم ان مقر سكناه كان قريبا منها.

go to top of page    يعتبر المؤرخ عبد العزيز الدوري ان ثورة القرامطة التي شملت دولتهم بقاع كبيرة من الأرض العربية ثورة اجتماعية سياسية دينية، كما ان فلسفتها عبارة عن مجموعة افكار زرادشتية معادية متأمرة على الأسلام جاءت لتحقق امال الفرس.
كما يعتقد الأمام ابو حامد الغزالي ان افكار القرامطة هي تطوير للعقائد الفارسية القديمة فهي خليط من المجوسية والألحادية والزرادشتية. و ان اساليبهم في نشر دعوتهم اتسمت بالحيلة والمكر والخداع.
ويقول برنارد لويس ان العامل الأقتصادي هو الذي حدد علاقة المواطن بالسلطة القرمطية فموقف زرادشتي فارسي ثري يختلف كليا عن موقف مسلم عربي فقير.
اما طه حسين فيقول: عندما ظهر القرامطة في الكوفة نشأ عنهم لغط كثير، ففقراء المدينة استجابوا لدعوتهم بينما اغنيائها قاوموهم.

كان تأثر المجتمع القرمطي بالأفكار المجوسية في البحرين واضحا، ولهذا السبب اتهمهم المؤرخون بنكاح المحارم لأن المجتمع الفارسي القديم كان يحلل الزواج بين اعضاء العائلة الواحدة، والمعروف ان العقيدة المانوية ساهمت في صقل العقيدة القرمطية فهي خليط من المجوسية والنصرانية والبوذية ومن شرائعهم الصوم يومان في السنة، يوم المهرجان ويوم نوروز وهذا دليل قاطع على تأثرهم بتقاليد الفرس.

اما بخصوص فكرة 
البعث بعد الموت فقد كانت هناك ثلاثة فرق لها عقائدها الخاصة بها:

  1. الأولى تؤمن بتناسخ الأرواح، اي ان الأنسان بعد موته تحل روحه في كائن اخر،

  2. والثانية تقول لا جنة ولانار ولا بعث ولا نشور وان من مات تفسخ جسده وتلاشى و تحولت روحه الى نور.,

  3. والثالثة لاتؤمن بشي، يدعون بالزنادقة الدهرية ينكرون الرسل والشرائع السماوية ويميلون الى استباحة كل ما يميل اليه غريزة الأنسان.

لم تكن سياسة قرامطة العراق والشام واليمن والبحرين جميعها على نمط واحد فلكل كيان كان له سياسته الخاصة به، فمثلا كان الحسين القرمطي في الشام يسك مقاطعا من الأيات القرأنية على النقود الفلزية المتداولة في دولته، وينقشها على الأعلام والرايات. وفي الوقت الذي كانت قبلة الصلاة بيت المقدس والأذان من فوق المئاذن يجري على النحو التالي :
(الله اكبر الله اكبر اشهد ان لا اله الا الله وان ادم نبي الله وان نوحا نبي الله وان ابراهيم نبي الله وان موسى نبي الله وان عيسى نبي الله وان حمدان نبي الله واشهد ان محمدا رسول الله).

go to top of page    لم يشهد العالم العربي في عصرهم تدهورا اخلاقيا وانحرافا سلوكيا مثلما حصل في دولة القرامطة في البحرين. فبالنسبة للعراق يخبرنا المؤرخ العربي شوقي ضيف ان عادة اللواط لم تكن معروفة في العراق من قبل لكنها ادخلت اليه اول مرة من قبل جنود الفرس في جيش ابو مسلم الخراساني عندما قدم الى موقع الزاب في شمال العراق عام 132 ه لملاقاة جيش مروان اخر خلفاء بني امية. وعلى اثر ذلك تدنى مستوى الأخلاق واصبح التغزل بالغلمان في بغداد، خاصة زمن الخليفة العباسي الأمين امرا مألوفا. ففي عصره ظهر مصطلح الغلاميات، وهو ما يطلق على الغانية عندما تلبس ثوب الشباب لفتا للرجال، فلا عجب ان لاحظنا في شعر ابي نؤاس في غزل المؤنث ذكر ضمير المذكر. صحيح ان العادة المذمومة كانت منتشرة منذ القديم في المناطق الساحلية لشبه الجزيرة العربية كعدن وحضرموت وجزر خليج البصرة، لكن الذي حصل في بلاد القرامطة في البحرين كان اسوءها على الاطلاق فالممارسات اللااخلاقية التي برزت في مجتمعهم كانت غريبة على اخلاق العرب الذين كانوا متحلين بصفات البادية العالية وبالاسلامية الحميدة، فكانوا يشمئزون من مظاهرها وحتى من سماع اخبارها المعيبة، وكانوا ينظرون الى (الشيخ) الشلمخاني المتحلل خلقيا باحتقار وازدراء، الذي كان لا يتردد من تشجيع المنكرات من قبيل نكاح المحارم والاباحية واللواط وممارسات مقرفة اخرى لم يطاوعني قلمي ذكر تفاصيلها، لآنها تجرح كرامة الانسان، فقد الف هذا الداعيه الخليع كراس فيه كل شئ يتعلق بهذه الموبقات معتبرا اياها سننا وشرائع عقائدية، حتى تكون في متناول يد كل شاب ضال.

لقد انغمر الفساق في المجتمع القرمطي في عالم الدنس والفجور وتمادوا في التحلل والمجون الى درجة كان الغلام الذي يمتنع من الرضوخ لشهوة سيده الشاذ اخلاقيا يؤخذ الى اقرب قصاب ليذبح ذبح النعاج على قارعة الطريق على مشهد من المارة في وضح النهار، هذا ما يذكره ابن الاثير.

go to top of page    اما بخصوص المراة القرمطية فقد كان لها دورا بارزا في الحياة الاجتماعية والسياسية، فقد شاركت في الحروب وسقت الجرحى وقدمت التبرعات، فكانت تهب مالها و حليها بسخاء او قسطا من اجور عملها في المغزل او جزا من كسبها في حراسة الطيور. فهي غالبا ما كانت عضوة وهاجة في الجمعيات الخيرية والاجتماعية. لكن عندما تثار المسئلة الاخلاقية للمراة القرمطية في الاوساط الاسلامية يثار معها دائما الفضائح الاخلاقية، كانت الاباحية اكثرها فضاعة والتي كانت تمارس بحرية وفي نطاق واسع. ففي ( ليلة التشويق والآصباح)، تتقاطر ( اسر) القرامطة من رجال ونساء من كل حدب وصوب الى مكان معين للآحتفال، حتى اذا ما وصل صخب القصف في الرقص والغناء عند السكارى ذروته، اطفأت الانوار وبدأ الرجال يباشرون في تصيد النساء دون تميز.. هذا ما يرويه الطبري

في ظني ان هذه العادة الممجوجة اقتبست من بلاد فارس اصلا وهي تقاليد مزدكية، الى جانب المانوئية والزرادشتية المنحدرة من الدين المجوسي، هذا الدين الذي يعتقد بوجود الهين في الكون احدهما هو اله الخير ويرمز له بالنور والاخر اله الشر ويرمز اليه بالظلمة وان هذه الممارسات الغريبة توارثورها عبر الوف السنين تعد عندهم طقوس كرنفالية متجذرة في التقاليد، وهي جزء من طرز حياتهم يمارسونها بشكل منظم مثلما كانوا يمارسون طقوسهم الدينية وشعائرهم العقائدية في رحاب مشاعل النيران المشتعلة تقديسا واجلالا لها.

في هذا السياق استعيد ذكريات ايام عملي في مستشفى الفارابي الجامعية في طهران في تسعينيات القرن الماضي، فقد سمعت عن طريق الصدفة حديث كان يدور بين اثنين من زملائي بهذا الخصوص بالذات، فأرهفت السمع لأستعلم فحوى الكلام قولهم
(ان الاباحية التي شاعت في بلادنا قديما، بقى عهرها متوارثا عبر الاجيال حتى الى عهد قريب، كانت تمارس بسرية تامة داخل اسرغيراسلامية لكن في نطاق ضيق و قد انتهت بانتهاء نظام الشاه الاخير حيث ان الجمهورية الاسلامية حاربتها بضراوة).
وكوني لم اكن طرفا في الحديث، فلم اعلق عليه، لكن حب الاطلاع دفعني لمعرفة المزيد عن طبيعة هذه الاباحية التي عشعشت في مجتمعاتهم. وبعد الاستفسارمن مصادر موثقة علمت ان مراسيم (ليلة التشويق والاصباح) سيئة الصيت قد تغيرت عبر الالف سنة الماضية واخذت شكلا اخر من قبل فئة الاباحيين المجوس من الفرس، فقد كانوا يقيمون حفلاتهم السرية بأنتظام متفننين في ممارساتها باساليب لاتخطر حتى على بال ابالستهم، مما ينأى القلم عن تدوينها.

go to top of page    اما عن اخبار الأدب والأدباء في دولة القرامطة في البحرين  فأقول بعد ان غاص ادبائهم  في عمق الحياة  واكتووا بأتون احداثها خرجوا منها برصيد كبير من التجارب الأنسانية اودعوها في نثرهم وشعرهم التي افرزت عن ابداعات رائعة في الادب العربي في ذلك التاريخ .  هذا ما يرويه  المؤرخ المقيزي.

كانت الحركة القرمطبة حركة ثورية،  فلا عجب اذا ما وجه شعراؤها سهامهم الى صدور الطغاة  الذين تربعوا على عروش مغتصبة داخل قلاع مكتضة بالجواري والغلمان يحرسها جند الأسلام المزيف يخافون غضب الجياع القابعين وراء الأسوار وما كان تمرد الجماهير على الدين والدنيا الا بسبب فقرهم ومعاناتهم،

 فهذا ابو العلاء المعري يقول-

وجاهل جاهل – تلقاه مرزوقا

 كم عاقل عاقل – اعيت مذاهبه

وصير العالم التحرير  زنديقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة

 

 اما الشاعر ابن الفضل  المتمرد على الدين يقول

وان صاموا فكل  واشرب

اذا الناس صلوا فلا تنهض

ولا زورة القبر في يثرب

ولا تطلب السعي عند الصفا

حلال قدست من كل مذهب

وما الخمر الا كماء السماء

   

وجاء على لسان قبائل البدو القرامطة عندما غزو الكعبة في مكة

لصب علينا النار من فوقنا صبا

لو كان هذا البيت لله ربنا

  

وشاعر اخر يصف شعبا  يسوده الظلم الأجتماعي فيقول 

عجيب لا اراه من الزمان

عجبت من الزمان واي شئ

فيجعله لأوغاد  سمان

يصادر قوت جرذان عجاف

 

وشاعر اخر يشكو فقره  قائلا

واغتراب في معشر الأنذال

عشت في ذل وقلة مال

فغذائي حلاوة الأمال

بالأماني اقول لا بالمعاني

             

وشاعر اخر مجتمعه قائلا

ولو نطق الزمان اذا هجانا

نعيب زماننا والعيب فينا

فسبحان الذي فيه يرانا

ذئاب كلنا في زي ناس

                    

وهذا شاعر علوي عاصر دولة القرامطة  يقول

ولا حروري ولا ناصب

متى ارى الدنيا بلا كاذب

عادى علي بن ابي طالب

متى ارى السيف على كل من

وينصف المغلوب من غالب متى يقول الحق اهل النهى
هل لكؤوس العدل من شارب؟ هل لبغاة الخير من ناصر؟

               

و هذا شاعر قرمطي  يقول في الدجالين من رجال الدين

تسعة اعشار من ترى بقر

لا تخدعنك اللحى والصور

وليس فيه لطالب مطر تراهم كالسحاب منتشرا
له رواء وماله ثمر وفي شجر السرو لهم  مثل

  

لقد استعمل كتاب القرامطة لغة الأدب الرفيع اسلوبا للتعبير عن تطلعات جماهير الشعب وبذلك اصبحوا في نظر المجتمع اهلا للاكبار والتقدير فقد امتد شعاع ابداعاتهم الادبية شرقا وغربا، واثبتوا ان الاديب المتفاني في سبيل رفاه  شعبه، هو اكثر نفعا وفائدة  من الكثيرين من رجال السياسة...

 

 go to top of page    ختاما اقول: لقد ظهر  القرامطة بداية في الكوفة بالعراق ومنها انتشروا الى بلاد الشام واليمن واشتد عودهم اخيرا في البحرين، وتمكنوا من جمع الأنصار تحت لواء من الشعارات الأسلامية المزيفة. كان هدفهم  الغير معلن هو نشر التعاليم  الفارسية القديمة وقد تحول نظامهم اخر المطاف الى اخر اشتراكي بدائي. لكن السلطة القرمطية شجعت الفكر الحر فأزدهر الأدب وانتشر. اما العقيدة الأسلامية  فقد اصبحت بمرور الزمن  في خير كان ولم يبقى منها  شئ يذكر.

اما مصير الطاغية القرمطي  ابو طاهر سارق الحجر الاسود وقاتل  حجاج  بيت الله الحرام، فقد انتهى اخيرا في قبضة القدر وسلطان الحق فلم تدعه يفلت من العقاب الذي يستحقه، فقد اوقعه في مرض الجدري قبل ان يموت ليرى عذاب المرض بام عينه،  فكان يصرخ من شدة الالم، ويرى كيف ان اوصال جسده كانت  تتقطع امامه واستقر اخيرا في جهنم غير ماسوفا عليه. وخلفه في السلطة  اخوه سعيد الجنابي من بعده الذي قام بارجاع الحجرالاسود الى موضعه في الكعبة.  وعندما احتل البويهييون العراق عام 331 للهجرة، ضعف شأن القرامطة في البحرين كثيرا بعد ان دب فيها حالة التدهور والتداعي مما اضطرتهم الى الدخول في طاعة الخليفة العباسي في بغداد ونيذ عقيدتهم، فزالت دولتهم من الوجود واصبحت اثرا بعد عين.

 

المصادر

  1. القران الكريم

  2. المسعودي مروج الذهب ج 4 ص 381

  3. ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب ج 4 ص 81

  4. يحى ابن الحسن في غاية الأماني ص 198

  5. الطبري في تاريخ الأمم والملوك

  6. ناصر خسرو في سفر نامة

  7. طه حسين في ثلاثية الحلم القرمطي

  8. ابن خلدون في العبر ص 178

  9. الغزالي في فضائح الباطنية

  10.  كارل ماركس المجلد 28 ص 214 لسنة 1853

  11. مصطفى الخشاب في تاريخ الفلسفة

  12. المقيزي في المقفى الكبير

  13. الاذقي في ثلاثية الحلم القرمطي – دمشق 1981

  14. على كريم سعيد في اصول الضعف دمشق 1992   .

  15. انتوني نتنج في العرب من العهد الجاهلي الى عهد جمال عبد الناصر، الطبعة الأولى 2004 القاهرة

  16. شوقي ضيف في العصر العباسي الثاني 1982 القاهرة ص 33 وما بعدها. 

  

Back Home NextBack to Home go to top of page