Back Home Next 
 

الى اية خلافة يحنون ؟
 

معنى ذلك التاريخ يعيد نفسه والصهيونية درست تاريخنا اكثر دقة منا

د. جمال ابراهيم

 

من المسلم به ان التاريخ السائد في المجتمعات الشرقية عبر - في كثير من جوانبه - عن مصالح الطبقات العليا ، وعن وجهة نظر الطغاة ، اما الاتجاه الاخر فقد غيب قسراً ، لذلك تم تشويه الحقائق ، وسميت الامور بنقائضها ، فاصبح الجور عدلاً و التمييز تسامحاً و الاحتلال فتحاً ، و العكس بالعكس ... فمجد العرب تاريخ الدولتين الاموية والعباسية ، كأنها كانت ناصرة للحق وكأنها لم تبنى على الغلبة والقهر ، وكأن امراءها لم يكونوا الا اولياء صالحين ، امتازوا بالزهد و التقوى ، رغم ان الحقائق توكد بانهم كانوا نسخا ممسوخة عن الاكاسرة والقياصرة ، بل زادوهم طغياناً ، فوظفوا العقيدة وفقهاءها لخدمة الحكم .

ان مثل العرب كمثل الأتراك الاوزبك ، الذين زينوا قبر تيمورلنك بالآيات ، ليصبح مزاراً يتبركون به ، وكأنه لم يسفك دماً !

وبالطبع فان سر التقديس يكمن في مكان اخر ، حيث قوافل الغنائم ، غنائم السلب والنهب ، من الجوار ي والعبيد ، التي لم تنقطع - في عهده - عن سمرقند ، فلم يبجله قومه الا رداً للجميل .

لقد لعبت الغنائم ، التي سلبها العرب من البلدان التي احتلوها ، وفق الآلية نفسها ، ولا سيما كنوز الساسانيين ، من اللؤلؤ والذهب والفضة ، و التي لم ير العرب مثلها من قبل ( لم يسلم منهم أحجار مدينة المدائن بعد تدميرها ، فحملوها على ظهور جمالهم ليعمروا بها مدنهم) .

ان معاوية بن ابي سفيان، الذي تاجر بدم عثمان ليجعل من نفسه - بعد التحكيم واغتيال علي بن ابي طالب - قيصراً ، و بعد ان تسبب في مقتل اكثر من سبعين الف انسان في صفين ، دخل التاريخ كأحد أبطال الامة .

رفض الرجل طلب ابنة عثمان بالثأر لأبيها ، بعد ان نال - عن طريق قميصه المخضب بالدم واصبع زوجته المقطوع - ما أراد، وذلك حفاظاً على استقرار الحكم ، فقال لها : " يا ابنة أخي ... ان الناس اعطونا طاعة واعطيناهم اماناً ، واظهرنا لهم حلماً تحته غضب ، واظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، ومع كل انسان سيفه ، وهو يرى مكان انصاره ، فان نكثنا بهم نكثوا بنا ، ولا ندري أعلينا تكون ام لنا ، ولان تكوني بنت عم امير المؤمنين خير من ان تكوني امرأة من عرض الناس ".

وهكذا حسم داهية العرب مسالة الصراع السياسي والعسكري على السلطة ، بين قبيلة القريش التجارية المرابية من جهة ،وبين الاعراب (البدو) و المهاجرين والانصار والموالي من جهة اخرى ، لصالحه ، وقضى بذلك على "جمهورية العرب الاولى " (عهد الراشدين).

ان العرب في عهد الامويين ، وبحسب راي عالم الاجتماع العراقي الراحل علي حسين الوردي ( 1913- 1995) ، لم يكونوا الا بدواً يحاربون في الغالب من اجل الفخار والغنيمة ، وقد ادرك الخليفة عمر بن عبدالعزيز هذه الحقيقة ، فقام بسحب الجيوش من الثغور ، حيث كانت تغزو القارة الاوربية ، لأنه لم يجدها سعياً في سبيل الله ، بل طلباً للثروة والسبايا ، فكانت تجارة مربحة للأمراء ، الا الغنائم التي كانت يسلبها الاعراب ، تعود في النهاية الى القريش ، وكان هذا سببا رئيسيا للصراع بين الغزاة ، وقد عبر والي الكوفة سعيد بن العاص عن ذلك صراحة ، بقوله ان سواد العراق (احدى ممتلكات الفرس السابقة ) هي بستان قبيلة القريش مما اثار نقمة البدو على بني امية .

يقول الوردي في كتابه " وعاظ السلاطين " : " كان السلف الصالح فيهم عيوب ، جعلهم الوعاظ ملائكة ، بعد ان جردوهم من الاخطاء ، لقد خلقوهم بأيديهم ،ثم جاؤوا الينا يريدون ان نكون مثلهم ".

سرق ابن عم علي بن ابي طالب ، واسمه " ابن العباس " ، الذي كان والياً على البصرة ، اموال الخزانة وهرب بها ، وعندما لامه علي وهدده على فعلته ،رد غامزاً من قناة الدماء المسفوكة في موقعة الجمل وصفين .

لقد اعطى سعيد بن العاص - وهو ابن عم عثمان بن عفان – صورة نموذجية وأكثر الأمثلة وضوحاً عن أخلاق الفاتحين ، عندما منح الامان لأهل طمسين ، مقابل فتح ابواب مدينتهم ، وذلك اثناء غزوته لبلاد طبرستان على الا يقتل منهم رجلا واحداً ، الا انه اراد ان يمزح بأرواح الناس فبر الرجل بوعده ، حيث أبادهم عن بكرة ابيهم ، ولم يبق الا على حياة رجل واحد!

ان الاسلام الذي دعا الى تحرير العبيد والرفق بهم ، كان سبباً في تكثيرهم ، فامتلك الصحابة اعدادا كبيرة منهم ، وذلك عن طريق الحروب ، وقد اختير معظمهم من فئة اصحاب الصنائع ، لكي يعملوا لحساب اسيادهم كأبقار حلوب عالية الانتاج .

لقد جعل موسى بن نصير من اسرى غزواته في افريقيا عبيدا ، والذين بلغوا حوالي 000 300 ، وكذلك سلب عنوة من الاندلس ثلاثين الف فتاة ، جعل منهن جواري في قصور امير المؤمنين .

كان المتوكل الذي كان من اظلم الخلفاء عربدة وسفكاً (نيرون الشرق) يملك اربعين الف جارية ، وكانت اخت الخليفة الفاطمي "ست الملك " تملك لوحدها ثمانية الف جارية ، وعندما دخل صلاح الدين الايوبي قصور الفاطميين في مصر ، وجد فيها اثني عشر الفا من العبيد فعرضهم للبيع ( لم يحررهم لوجه الله ! ) فاستمر البيع لمدة عامين .

كان هارون الرشيد - الذي ملك حوالي 2000 غلام وجارية للجنس والطرب - اغزر الناس ذرفاً للدموع وقت المواعظ ، بحيث كان يغمى عليه من شدة البكاء الا انه كان اشدهم ظلماً ، ولكنه كان يعرف كيف يضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، اعجب مرة بغناء احد المطربين فعينه والياً على مصر !

لقد سار الدين والدولة في عهد الامويين في اتجاهين متعاكسين ، وقد وصلت العنصرية ذروتها في عهد هم ، فاعتبروا ان الاسلام جاء للعرب ، لكي يرفع مكانتهم بين الامم ، لذلك كانوا يحتقرون الموالي ( المسلمون من غير العرب ) ، وكان لديهم مثل دارج يقول " لا يقطع الصلاة الا ثلاث : حمار وكلب ومولى " ، ودفعهم الجشع ، الى التشكيك بإيمان اهل بلاد فارس وكردستان وخراسان ، لذلك كان يؤخذ منهم نصف الجزية .

عندما انتفض الموالي تحت قيادة الاشعث و عبدالله الجارود ضد الظلم الاموي ، قال الحجاج للموالي : " انتم علوج وعجم وقراكم اولى بكم " فشتتهم ، ومنعاً لتوحيد كلمتهم ، نقش على يد كل منهم اسم البلدة التي نفي اليها .

لقد اتبع خلفاء بني امية سياسة التمييز بين الناس والتعالي عليهم ، وكان خلفائهم زهادا في الاقوال وظلاما في الافعال .

ضرب الامويون الكعبة بالمنجنيق مرتين ، في زمن يزيد بن معاوية ، وكذلك في زمن عبدالملك بن مروان ، بسبب احتماء عبدالله بن الزبير - حفاظاً على حياته – فيها .

عندما تولى معاوية بن يزيد بن معاوية الخلافة ، استشار استاذه عمر المقصوص في أمر الخلافة ، فقال له : " اما ان تعدل واما ان تعزل " فاعتزل يزيد الخلافة ، الا ان بني أمية اتهموا المقصوص بانه أفسد خليفتهم ، فقاموا بدفنه حياً .

اباح الجيش الاموي في واقعة الحرة ، في عهد يزيد بن معاوية ،وبقيادة مسلم بن عقبة المدينة "يثرب" ، ولمدة ثلاثة أيام ، بسبب خلع الانصار لبيعة يزيد ،وذلك لفساده ، فاغتصب اكثر من الف امرأة ، وقتل أكثر من ثلاثة ألاف انسان ، ويقال ان جندياً دخل على امرأة ومعها صبي لها ، فطلب منها مالاً فقالت له " والله ما تركوا لنا شيئا ، فغضب الجندي ، واخذ برجل الصبي والثدي في فمه ، فجذبه من حجرها ، وضرب به الحائط ،فانتثرت دماغه على الارض " يقول الوردي : "هكذا جرى الفتح الاموي في المدينة ،ولكننا لا ندري كيف جرى في بلاد بعيدة " .

كان الخليفة وليد بن يزيد بن معاوية يرمي القران بالسهام ، ويأمر جاريته بالصلاة امام الناس ، وكان يصف الدعوة بقوله :

نبوة ادعاها هاشميّ ... فلا وحي اتاه ولا كتاب

ان العنصرية الصرفة التي انتهجها الامويون ، ادت الى تحالف المظلومين من الشعوب المسلمة غير العربية في بلاد فارس وكردستان وخراسان مع الدعوة العباسية ، وهذا ما يذكرنا بعميد الدولة العباسية ، ومهندسها الشخصية الكردية ابو مسلم الخراساني ، الذي اشعل الشرارة الاولى للدعوة العباسية ، فطرد العرب من بلاد خراسان ، وانتهى امر الامويين في معركة الزاب ( احد روافد نهر دجلة ) سنة 749 م ، ففر الخليفة الاموي مروان بن محمد من تلك المعركة ، فطارده الجيش العباسي حتى منطقة الفيوم بمصر حيث قتل هناك .


لم يختلف العباسيون عن الامويين ، سوى انهم تظاهروا بالتقوى ، فقربوا المعتزلة ( دعاة العقل ) ، الا انهم تخلوا عنهم تحت ضغط العامة ، فقربوا الفقهاء ، لكنهم من الناحية العملية فاقوا الامويين وحشية ، فاسرفوا في الثأر ، وأبادوا الامويين ( لم ينج من مجازرهم غير عبد الرحمن الداخل ) ، ونبشوا قبورهم ، واستباحوا الشام ، وقتلوا فيها اكثر من خمسين الف انسان ، وجعلوا المسجد الاموي في دمشق اسطبلاً للخيول والجمال .

كان جنود المعتصم - الذين دخلوا عمورية انتصارا لشرف امرأة - لا يتحرشون في بغداد بالنساء فقط ، بل و حتى الغلمان ، و لم يسرد لنا تاريخ الطغاة ، ماذا فعل هؤلاء الفاتحون يا ترى في عمورية ، او البلدان التي مروا بها .

عندما تغزل احد المغنيين في مجلس الامين بالشعر النواسي ، الذي يتغزل بالغلمان ، طرب الامين وركب المغني ، ومنحه عشرين الف درهم ، وقال للمغني الذي ابدى استغرابه لهذه المقدار الكبير من المال : " وهل هذا الا خراج بعض الكورا ( الكورا جمع كورة تعني الضيعة ) وهذا مثال صارخ على تبذير الاموال ، التي نهبت من الناس ، الذين لم يبالوا بشيء ، مادام خليفتهم يغمى عليه عند المواعظ ، ومادام يبني لهم المساجد، تلك المساجد التي كانت تزداد عدداً بازدياد وتيرة الظلم الاجتماعي .

ان الاف الجواري لم يشبعن غريزة الخليفة المهدي ولم يمنعنه من الزنا بعماته
!

ان التاريخ السياسي للصراع القديم على السلطة تؤكد ، ان الفرق الدينية لم تكن سوى أحزاب ، فرزتها المصالح السياسية والاقتصادية المتضاربة ، وارتدت رداءً مقدساً ، لم تكن لسواد الشعب فيها ناقة ولا جمل ، بل فرض عليهم - و في احيان كثيرة - فرضاً ، وقد اعيد اثارة الموضوع من جديد و لأسباب سياسية أيضاً بعد رحيل الشاه عام 1979 وتقوم قنوات الاعلام الصفراء بإثارة تلك النعرات من جديد .
 


اما الخلفاء العثمانيون فلم يكونوا سوى وحوش في ثياب البشر ، فلم يسلم من جبروتهم حتى أفراد اسرهم.

يروي الكاتب التركي حلمي محلي ( سوري الاصل ) عن الصحفي التركي شاتين ألتاي ، في مؤلفه "خفايا التاريخ " بانه بعد وفاة ارطغرل ، نشب نزاع على السلطة ، بين ابنه عثمان واخيه دو ندار ، فقتل عثمان عمه ليستولي على الحكم ، ولينشىء الدولة العثمانية وليبدأ معها مسيرة الجرائم العائلية ، التي استمرت حتى عام 1922 . فقتل مراد الاول ابن اورخان شقيقيه ابراهيم و خليل ، وكوى عيني ابنه ساوجي واعدمه ، حتى لا ينافس اولاده الاخرين على الحكم .

اصدر السلطان مراد - في معركة كوسوفو عام 1389 - امر خنق ابنه يعقوب ، حتى لا ينافس شقيقه بيازيد الاول ، حيث استدعي يعقوب من ساحة المعركة مع الصرب الى خيمة ابيه ، وهو على فراش الموت .

قام مراد الثاني بقتل عمه وشقيقه مصطفى ، وكوى عيني شقيقه الاصغر يوسف .

ان السلاطين العشرة ، الذين حكموا الدولة العثمانية ما بين الفترة 1299- 1566 ، قتلوا جميعا اولادهم واشقاءهم من اجل السلطة ، فارتكب 27 سلطانا من اصل 36 وهو مجموع السلاطين العثمانيين ( الذين لم يحج احدهم الى مكة ) جرائم عائلية .

عندما نصب مراد الثالث - وهو نجل السلطان سليم الثاني - على العرش ، خلفا لوالده ، قتل اشقاءه الخمسة ، وكذلك قام ولده محمد الثالث - عندما تولى الحكم - بقتل اشقائه التسعة عشر ، وكذلك سبع جواري حوامل من اشقائه ، وقتل ولده الصغير محمود ، وكان عمره 16 عاما ، لكي يبقي السلطة لولده السلطان احمد ،الذي كان عمره آنذاك 14 عاما ، وكذلك وضع السلطان احمد شقيقه مصطفى في قفص ، وعمره 13 عاما ، بحجة انه مجنون حتى لا يشكل خطراً عليه .

ان عدد الامراء العثمانيين الذين قتلوا على يد اهلهم 121 مقابل 44 رئيسا للوزراء .

اصدر السلطان محمد الفاتح امرا شرعيا ،حلل فيه قتل السلطان لشقيقه من اجل وحدة الدولة .

يبدو ان هذا لم يكن الا غيضاً من فيض فكيف كانوا يعاملون الرعايا يا ترى ؟