Back Home Next 

 

تاريخ العرب قبل الأسلام : موطن العرب !

مقتبس من كتاب العرب في العصر الجاهلي لمؤلفه ديزيرة سقال

 بقلم د. رضا العطار مع التصرف

alattataronline.com

 

هذا الموضوع (العرب قبل الاسلام)، الذي سنتناوله، فيه مسائل حضارية من ادبية واجتماعية ودينية، وهو موضوع واسع ومتشعب، متعدد الجوانب، وهي حضارة تعتبر من جوهر الحضارات السامية القديمة الى عرفتها المنطقة عبر التاريخ. وقد حاولت جاهدا حصر مواقعه ومواده ومدلالاته في عبارات مفيدة مختصر، انشره الأثنين من كل اسبوع، بغية نشر الوعي التاريخي المعرفي بين ابناء الشعوب العربية والله المستعان.

بلاد العرب القديمة كبيرة جدا، شاسعة. مساحتها حوالي ربع مليون ميل مربع.

أقسام بلاد العرب في القرن السادس ...

اقسام بلاد العرب في القرن السادس ...

 

كانت هذه البلاد في الدور الجوراسي يفصلها عن بلاد فارس والهند، المحيط الهندي والخليج الفارسي العربي، ثم ما لبث ان فصلت عن شمال افريقيا عندما ظهر البحر الاحمر في الطور الثالث، فأرتفعت سلسلة الجبال التي تسمى جبال (السراة). وامتدت امام هذه السلسلة سهول (تهامة). اما القسم الثاني فيدعى (الحجاز).

وبقرب هذه المنطقة الجبلية تقع (الحرة) وهي ارض رسوبية احدثتها حمم البراكين.

... العربية من الجاهلية إلى الإسلام

 

ويبرز نتؤءان جبليان بأتجاه الشرق ينفذان الى سهول شمال المدينة ويدعيان جبلا (أجا) و (سلمى). واسمهما اليوم جبل (شمًر) وهو يخترق بادية الشام حتى مستنقعات دجلة شرقا والنجاد الكلسية غربا ويؤلفان جنوبا النجاد الصحراوية الكبرى (كارل بروكلمان).

يفصل نجد عن آكام عُمان (الربع الخالي) وهو صحراء قاحلة شاسعة جدا قليلة الاودية، واهم اوديتها وادي (الدواسير) جنوبا. وتقع فيها بعض الابار التي تساعد على زراعة النخيل. بينما المنطقة الجنوبية هي المنطقة الوحيدة التي تصلح للزراعة الرابحة في مواسم الرياح الصحراوية العاتية. اما المناطق الشمالية – بأستثناء الواحات – فلا تكاد تقدم للسكان شيئا يذكر - - تسمى هذه البلاد (شبه الجزيرة العربية) وذلك لان المياه تحيط بها من جوانبها الثلاث الا الشمال.

 اما جغرافيو الرومان فقد قسموها الى ثلاثة اقسام :
1 – العربية الصحراوية : وهي البادية الشمالية وتقع مملكة تدمر في شمالها.

2 – العربية الصخرية : وتشمل شبه جزيرة (سيناء) ومرتفعات شمال الحجاز المتصلة بها، وشمال البحر الميت وهنا اقيمت مملكة الانباط.

3 – العربية السعيدة : وهي تشمل جنوب جزيرة العرب وبطنها وهنا اقيمت مملكة عرب الجنوب اليمنين – مملكة المعينيين والسبئيين والحميرين وغيرها من ممالك القحطانيين العرب.


لقد عرف العرب انواعا متعددة من الحيوات كالاسد والضبع والذئب والفهد والثعلب والنمر والضب وغيرها من الحيوانات المفترسة. وعرفوا القردة، وما زال كثير منها في اليمن حتى ايامنا هذا والطيور والكواسر وغيرها من الطير كالهدهد والعندليب والحمام.

واعتمدوا كثيرا على الحيوانات الداجنة كالحمير والبغال والكلاب. ويعتقد ان البغال ادخلت الى جزيرة العرب من مصر بعد الهجرة. ولعل اهم هذه الحيوانات الداجنة كلها الجمال، فهي سفينة الصحراء وعصب الحياة بالنسبة الى العربي، لانها تستطيع السير بسهولة في رمال الصحراء وقيظها وتحمل الجفاف.

وقد انقرض معظم هذه المخلوقات المفترسة بفعل الزمن، خاصة بعد تغيير مناخ المنطقة في العصر الجليدي قبل عشرة آلاف سنة، ولا ننسى ما كان في فتح قناة السويس عام 1869 وفصل العمق الافريقي عن الجزيرة العربية من اثر حاسم في ذلك.

اما الخيل فقد نُقل اليها من سوريا، ويعتبر الكحيلان من احسن الخيول العربية. اما اقتناء هذه الخيول فقد كان مقتصرا على الاثرياء نظرا لما تحتاج اليه هذه الحيوانات من الطعام و العناية الفائقة.
كما كان الكلب من الحيوانات المهمة بالنسبة الى العربي ولا سيما كلب الحراسة. وللجاحظ فصولا كثيرة في عيوبه ومقالبه وشؤونه.

وهذا الوصف لأمرؤ القيس يمتدح جواده :

تتابع كفيًه بخيط موصلِ

 

درير كخذروف الوليد أمره

وارخاء سرحانِ وتقريبُ تَتفُل

 

له ايطلا ظبي وساقا نعامة


 
الغزو والثار عند العرب
الحلقة الرابعة من كتاب (العرب في العصر الجاهلي) لديزيرة سقال، الطبعة الاولى، دار الصداقة العربية للنشر، بيروت 1995

دفعت قساوة الطبيعة وشظف الحياة والشح الذي اتسمت به الصحراء وانحباس الامطار، دفع كل هذا العربي القديم الى ما يسمى بالغزو حتى اصبح من مقومات المجتمع البدوي الاقتصادية. ومعنى الغزو الاغارة والسلب، وهو نوع من اللصوصية، إذ يهاجم افراد قبيلة، عنوة، قبيلة اخرى، ويسطون على انعامها، ويسبون نسائها واولادها.
وقد اصبح هذا الفعل اعلى عمل يدلً على الرجولة ويليق بها، بل انه صار (ضربا من الرياضة القومية).

وقد قامت به كل القبائل العربية حتى النصرانية منها، وربما كان هذا الامر ردة فعل على الاحساس بالدهر وثقله وعلى صدفية الحياة التي انهكت الجاهليين.
فالجاهلي ( يستنجد بارادة البطل ضد الدهر، بشجاعة شبه مستحيلة ضد خطر النقص والضعف والذل، الخطر الممكن والمتحقق كل لحظة )
وقد تنجح قبيلة مستقرة بطرف البادية في تجنب الغزو اذا دفعت جزية للقبيلة التي تهددها، ولكن، لا يجب ان نفهم الغزو على انه امر مقترن بإراقة الدماء، لان القتال لم يكن إلا في الضرورة القصوى، نظرا لعواقبه الوخيمة.

 الثأر وايام العرب : وكان الثار هو القانون الاكبر الذي تحًكم بالجاهليين، وارتفع احيانا الى مستوى التقديس الديني. فقد كان الرجل يحرم على نفسه زوجته وجميع الملذات حتى يثأر. فإن قُتل احد الافراد، لبت القبيلة كلها نداء الدم، وقامت بينهأ وبين القبائل الاخرى الاخرى حروب لا تلبث ان تستفحل وتسعر، فيسقط القتلى، وتتراكم الثارات، حتى اذا ما تفاقم الامر دُفعت الديًة، وتوقفت الحرب الطويلة.
ولم تكن الدية تقبل الا عندما كان الامر يشتد ويتفلقم، لأنها اعتبرت ذلاً ومهانة، فأهم امر عند الجاهلي لصون الكرامة هو طلب الثار، إذ ذأك تشتبك القبائل، وتسيل الدماء، وقد تكون شرارة الحرب بسيطة، بل تافهة، ثم يهب الجميع لتلبية ندائها، ويشفى غليله بقتل اعدائه. يقول الشاعر دريد بن الصمة :

بنا إن اصبنا، او نغير على وتر

 

يُغار علينا واترين فيشتفي

فما ينقضي، إلا ونحن على سطر

 

قسمنا بذاك الدهر شطرين بيننا


والفارس البطل بنظرهم هو الذي يموت طريحا في ميدان المعركة فريسة للوحوش.
يقول الشنفري :

عليكم، ولكن ابشري أمً عامر

 

ولا تقبرونني، إن قبري مُحرم ُ


وكانوا يسمون وقائع العرب اياما، لانهم كانوا يتحاربون نهارا ويتوقفون عن القتال ليلا حتى يصبحوا. وقد عقد كتاب العرب فصولا كثيرة وصفحات طويلة لهذه الايام، في مؤلفاتهم كابن عبد ربه في (العقد الفريد). والاصفهاني في (الاغاني).  كما سمي العرب هذا المعارك ايضا باسم ما احدثها، كحرب البسوس.

وكانت هذه الايام بمنزلة مناوشات بين القبائل، اما بين القحطانيين والعدنانيين، واما بين قبائل مختلفة. وقد توفرت فيها فرص الإغارات والسلب والسبي، وتطايرت فيها الاشعار من حماسة وفخر وهجاء، ورأى بعضهم ان هذه الحروب كانت منفذا يخلص البلاد من ازدحام السكان. لكن في نظرنا ان هذا الرأي بعيد عن الصواب.

 حرب البسوس

جرت حرب البسوس بين بكر وتغلب، وكان بينهما قرابة، وهما قبيلتان نصرانيتان. وسببها ان سيد تغلب كليبا رمى ضرع ناقة للبسوس، عمًة جساس سيد بكر، لأنها وردت الماء مع إبل له، فأختلط حليبها بدمها. فإستنجدت البسوس بجساس، فخرج الى كليب وقتله. ودارت رحى الحرب اربعين سنة، وتطايرات فيها الاشعار وكثرت وقائعها، ومنها يوم عنيزة، ويوم واردات. وكان المهلهل من تغلب، وهو أخو كليب، من ابطال هذه الحرب، وله فيها شعر كثير، وما زالت رحاها دائرة حتى وضعت اوزارها عام 525 / بواسطة المنذر الثالث.



اسماء المصادر الواردة في متن هذه الدراسة !

1- احمد سوسه – العرب واليهود في التاريخ
2- اليسيوطي في المزهر طبعة حلب
3- دريزه سقال – العرب في العصر الجاهلي بيروت 1995
4- جرجي زيدان – العرب قبل الأسلام
5- الهمذاني – صفة جزيرة العرب طبعة لندن
6- جورج كونتر – المدنيات القديمة في الشرق الأدنى
7- احمد امين – فجر الأسلام
8- ابن سلام – في طبقة الشعراء
9- جواد علي – موسوعة تاريخ العرب قبل الأسلام بغداد 1955
10- دريزه سقال – المصدر السابق
11- الرافعي – تاريخ اداب العرب ج الأول
12- شوقي ضيف – العصر الجاهلي القاهره 1982
13- مي زياده – الأعمال الكاملة بيروت بناية نوفل 1982
14- فيليب حتي – تاريخ العرب
15- ادونيس – الثابت والمتحول 1974
16- مقدمة ابن خلدون
17- ابراهيم انيس – اللغة بين القومية والعالمية
18- شوقي ضيف – المصدر السابق
19- ديوان تميم ابن مقبل – وزارة الثقافة دمشق 1962
20- عز الدين اسماعيل – التفسير النفسي للأدب دار الثقافة
21- شوقي ضيف – المصدر السابق
22- رفيق التميمي، جو الجزيرة العربية واثره على الهجرات السامية،
23- احمد الهاشمي – جواهر الاداب، مؤسسة المعارف ص 4-7