Home Next 
 

من الوهابية إلى إرهاب الدواعش
الأربعاء 22 فبراير / شباط 2017 - 22:00
عادل نعمان
كاتب وإعلامي مصري

 

كنا على موعد- حسب التسلسل التاريخى للأحداث- مع أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة، حفيد إخوان الوهابية، الشقيق الشرعى لتنظيم طالبان، الأخ من الرضاعة لتنظيم داعش،

إلا أننى أستأذنكم فى إرجائه قليلا، لإلقاء الضوء على بعض فتاوى وأحكام ومعتقدات الوهابية، التى تُشعرك بغرابتها وبُعدها عن الدين،

مما يجعله فى نظر الغرباء وأهله بعيدا عن العصر،

ومتصادما مع العلم والحضارة، متخاصما مع خلق الله، فاشلا فى إعمار أرض الله،

وهو تكليفه الأسمى ومهمته الرئيسية، فكيف يعمرها جاهل، متخاصم مع نفسه، معزول عن الناس؟!

 الأغرب أنهم لا يشعرون بقبح وغرابة معتقدهم، ويعتبرون الخارج عنهم كالمارق من الدين المرتد عنه، ووجب عليه الاستبراء من الشرك وإلا قُتل

ومن غرائب معتقداتهم وآرائهم- التى وُلدت صغيرة وكبرت وتعاظمت وتكاثرت حتى تقاتلت مع العلم والحضارة والمدنية، ولم تترك مجالا متسامحا صافيا حتى عكَّرت المياه بين أبناء الدين الواحد- الآتى:

كل لباس يلامس الحذاء أو النعل أو يطول الأرض فهو حرام، وهذا عن حديث: (ما أسفل الكعبين من الإزار فى النار)، والإزار هو ثوب مقفول يحيط بالنصف الأسفل من البدن، والحديث فى البخارى، وصححه الألبانى، وقالوا إن حكمه معقول، ولا أدرى معقوليته هذه!!

ويُحرمون الغناء والموسيقى والرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافى للإنسان والحيوان وكافة الفنون واقتناء التماثيل واللوحات فى المنازل، وذلك عن حديث: (إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون)،

وكذلك مشاهدة التليفزيون، حتى قال قائل منهم: (إن الرجل إذا أدخل الدِّش إلى بيته فهو غاشٌّ لأسرته)، وطال التحريم المسلسلات الدينية وأفلام الكارتون والصور التعليمية، حتى الصور الإيضاحية التى تُعلم الأطفال الوضوء، (لأن الحق لا يُنشر بالحرام)،

ويعتبرون التصوير من الكبائر ومن ذرائع الشرك، واستندوا أيضا إلى حديث ضعيف بأن أصحاب هذه الصور يُعذبون يوم القيامة، ويُقال لهم: أحيوا ما صوَّرتم.

وهناك حادث مؤسف لـ«طالبان» الوهابية، التى أصدرت قرارين حين تولت الخلافة فى أفغانستان، أولهما: نسف تمثال بوذا، وثانيهما: تحريم زراعة الأفيون، وهو عصب الاقتصاد الأفغانى، الغريب فى الأمر أن «طالبان» تراجعت عن القرار الثانى، وزرعت الأفيون الحرام لحاجتها للأموال، ولم تتراجع عن الأول ظنا منها أنه قربى إلى الله، رغم الحملات التى شنتها المنظمات الدولية والوساطات الإنسانية ليتراجعوا عن نسف تمثال بوذا، ولم ينفعهم الحلال كما أضرهم الحرام.

وكادت المأساة تتكرر فى مصر فترة حكم الإخوان، فى محاولة نسف تمثال «أبوالهول»، على زعم أن المصريين القدماء كانوا يعبدونه فى الماضى، ووصل الأمر بالسلفيين الوهابيين إلى التوصل لحل وسط، وهو تغطية التماثيل المنتشرة فى أنحاء مصر إما بالشمع، أو بغطاء من القماش، ولم يكن غض الطرف من الإخوان عن هذا الأمر إلا موافقة على ذات المنهج والرضا عنه.

وحرَّموا مشاهدة مباريات كرة القدم، على اعتبار أنها كاشفة لعورة الرجل، ولعبة الشطرنج، ويُحرمون التصفيق على أنه تشبُّه بالكفار.

وهذا ابن عثيمين يُحرم تعلم اللغة الإنجليزية، لأن الاعتياد على التحدث بهذه اللغة يورث المحبة لأهل تلك اللغة من الكفار، ومعلمها أو مدرسها سيُعذب يوم القيامة على ما ارتكب لسانه ونطق بلغة الكافرين، ولا ننسى أحدهم فى مجلس النواب الإخوانى، والذى طالب بذلك،

وتحريم التهادى بالورود التى تجلب الروائح المغرية للغرائز.

وهذا ابن باز يُكفِّر كل مَن يعتقد أن الأرض تدور حول نفسها، أو تدور حول الشمس، بل يُبيح دم مَن يعتقد فى هذا.

ويُحرمون قص شعر الرجل أو تهذيبه، فإما أن يُقص كله أو يُترك كله،

ويُحرمون استخدام العطور وأدوات الزينة والمعطرات جميعها، ويلعنون النساء اللائى يخففن حواجبهن أو يزلن شعر أرجلهن، فيريدون تركها كالرجال، استنادا إلى حديث: (لعن الله النامصة والمتنمصة)، فلقد حدد الشرع- حسب قولهم- الأماكن المحددة لنزع الشعر عند الرجل والمرأة، ولا يحق لأحدهما نزع غيره، وهو شعر العانة وشعر الإبط، كل أربعين يوما،

بل وصل التشدد منتهاه بألا تلبس المرأة اللبس الأبيض، أو الجوارب فى القدم، أو حمَّالات الصدر، وألا تخلع النقاب أمام نساء مثلها، وألا تخلع الزوجة ملابسها كاملة أمام زوجها، حتى أثناء المعاشرة الزوجية،

ومنهم مَن أجاز مضاجعة الزوجة الميتة مضاجعة الوداع، وتحريم دخول المرأة إلى الإنترنت دون محرم،

ومنهم مَن حرَّم تعليم المرأة أو عملها، وكذلك حرمة استخدام الكراسى أو الجلوس عليها، فلا يجوز عندهم للمسلم الجلوس إلا على الأرض،

وتحريم التعامل مع البنوك، أو تأمينات الحياة أو السيارات أو البيوت وغيرها. ولم يسمحوا بالاستماع إلى المذياع إلا فى أوائل حكم الملك عبدالعزيز، للضرورة القصوى، بل كان مُحرَّما عندهم هو والتلغراف والسيارة والتليفون،

ومنهم مَن حرَّم نقل الدم، لأن الدم نجس،

وحرمة استخدام مصل شلل الأطفال لاحتوائه على مواد من دهن الخنزير، حتى انتشرت ظاهرة شلل الأطفال فى شمال باكستان، وهى المناطق التى تسيطر عليها «طالبان»، وتحرم استخدامه على الناس دون بديل،

هذا قليل من كثير، يُعطلون حركة الحياة تماما، ويعيدون المسلم إلى عصر البداوة والتخلف والهمجية والفوضى،

ويطالبونه بأن يكون قويا صالحا نظيفا متعلما متفهما واعيا!

هذا هو النموذج الوهابى الذى أفرز لنا إخوان الوهابية والقاعدة وطالبان والدواعش أعداء الحياة والسماحة والعلم والحضارة.

مسلسل ممتد عبر تاريخنا الطويل، حمل كاذب، وبطولات مزيفة، ورحمة منزوعة الدسم، ولقمة عيش مغموسة بالظلم من أفواه المساكين والمقهورين.
adelnoman52@yahoo.com

"المصري اليوم"