Home 

     

                 

                                                      

(( ذكرياتنا ورحلة الى عالم الطفولة والشباب مع .. اللبلبي والباقلاء والشلغم والعمبة والصمون والأزبري وعمبر ورد والدوندرما والمدكوكة...))

  
 
تبقى الحياة صندوقاً شاملاً تجري في أدراجها حوادث وممارسات يتوجب تدوينها لتكون أستذكارا وبصمات لتؤرخ بنية حقيقية لأناس لاحقين، ولمن يريد أن يعرف عنها لتؤرخ بنية حقيقية لأناس لاحقين، لأن قسماً منها قد أندثر أو في طريقها للأندثار، وفي بعض الأحيان أشعر بزمني يرتد الى الطفولة حيت الأزقة الضيقة والواسعة والى المدرسة ومكاناتها الجميلة وما مارسناه فيها، فتحلق بي في أجواء السعادة والحلم بلا شوائب بحيث لا تترك مكاناً ولا زماناً يغيب عن ذاكرتنا.

بدأ قلمنا يكتب وسيستمر بالكتابة، حيث من الصعب أيقافه لأنه يعبر عن ذاكرة وفطرة وسليقة عن طقوس فيها من البساطة والفطرة حول ممارساتنا الطفولية والشبابية فكتبنا ما كتبناه عن ألعابنا ودراستنا وممارساتنا وعملنا في وطن تربينا وترعرعنا فوق ترابه وأستنشقنا عبير هوائه وغباره وتلذذنا بمطره وبرودته وحره وهو الذي قدم الى أبنائه وللأنسانية أرثاً هائلاً من العادات والتقاليد والقيم والفنون والعلوم.
بما أن الشعب العراقي متجذر وأرضه وتمسكه بما تمثله هذه الأرض بجبالها وأنهارها ووديانها وصحاريها وما ينتج عنها من تقاليد وعادات متجانسة، فيحصل التقارب في نمط السلوك والفعل والممارسة والتكيف،ومنها سبل العيش ومهنها وحرفها، ولتصوير حقيقة تراث مهنة أكلات الشارع البغدادي الخفيفة والتي لا تختلف عن ما كانت تشهده جميع المحافظات العراقية بسبب التجانس، والتي كان رواد تذوقها من البنين والبنات وحتى الكبار ينهالون عليها ويطيرون فرحاً بها، ولكن متعتها تظل كحلاوة للأطفال والشباب، ولقد تميز باعة الأكلات بأستخدام كلمات شاعرية بنغمات الصوت الموسيقي للترويج عن بضائعهم وسنذكرها وكما يلي:
     

*- اللبلبي وبائع اللبلبي: في كتب التأريخ عثرت على دراسة تفيد بأن حبة الحمص غيرت مجرى التأريخ، أذ كانت عل الأرجح وراء أنبعاث حضارة بلاد ما بين النهرين وأن القدماء في تلك المنطقة قد لجأوا الى زراعة الحمص وتناولوا أنواعها رغم صعوبة نموها، وتوالت السنين وأصبحت من الأكلات الشعبية الشتوية، وفي أيام طفولتنا وعند الخروج من المدارس نلتم عند بائع اللبلبي وهو واقف بجانب عربة اللبلبي وصوته القوي ونبرته الموسيقية وهو ينادي( مالح وطيب لبلبي،وكذلك يا لبلبي ويا لبلوب....وبعانة ترس الجيوب) وترى لمة الصبيان وتآلف القلوب والضحك المتواصل ونحن نأكل اللبلبي،وهذه الطقوس سواء بالبائع أو من يشتري اللبلبي موجودة في كافة المناطق وتمتاز دوما ببائع اللبلبي ذوا الحنجرة القوية وصوته الجهوري، اللبلبي وهو الحمص الذي ينقع ويتم غليانه مع الملح وقليل من الكركم لأعطاه اللون الأصفر، وبعض الباعة يضعون دجاحة في القدر وتبدل كل أسبوع أو أكثر، كان بعض بياعي اللبلبي يوفرون زجاجات الليمون دوزي أو عصير النارنج أوالخل والفلفل الأسود، ولقد تطورت العربات وأصبحت لها أماكن لبيع اللبلبي وبأستخدام الموسيقى وأغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وغيرهم،وأصبح اللبلبي أحد أطباق المزة الرئيسية لشاربي الخمور.
    
*- الشلغم وبائع الشلغم: اكلة الشلغم شتوية لتراث عراقي أصيل لا ينقرض ولكن بدأ يأخذه النسيان، في أيام الشتاء الباردة يبدأ بائع الشلغم وهو يدفع عربانته لتطوف في الحارات وأزقتها وشوارعها وهي تحوي الشلغم الممطبوخ بالدبس داخل القدر الكبير، فالقسم الناضج مرتب بشكل جميل ورائحة الشلغم المتبخرة تملأ عبق المكان وهو ينادي بصوته الجهوري وبلحن يتماشى ما ينادي به (حار وحلوا مايع...هذا للنشلة دوة...هاذا للگحة دوة)، فتتسابق العوائل بجلب صحونها لشراء الشلغم مع الجمالة، ورغم برودة الجو الأ أن حمية التقرب من عربة الشلغم يوفر لها الدفء،عادة ما يكون الفانوس هو الضوء الذي ينير العربة ويجعل منظهرها جميلاً ومؤنساً، فالكبار والصغار تروق لهم أكلة الشلغم، قسم يفضلها حلوة بالدبس والقسم الآخر مع الملح، في صباحات الشتاء تتواجد عربة الشلغم في مناطق عديدة وترى الصغار والكبار يأكلون الشلغم وهم فرحين ومتآنسين، يقال أن رجالات الدولة ووزرائها كانوا يرسلون مراسليهم لشراء الشلغم بالقدور الصغيرة


ويقال أيضاً بأن أم كلثوم بأحدى زياراتها الشتوية تذوقت الشلغم وأعجبت بأكله، حاولت عوائل كثيرة عمل الشلغم ولكن مذاق الشلغم كان أحسن عند بائعي الشلغم نظراً لتفننهم بعمله وفق مقاييس وكمية الدبس المضاف ونوعية الشلغم وحجمه وطراوته، في البلدان الأوربية وضعت أماكن وشيدت أكشاك جميلة للحفاظ على بعض الأكلات الشعبية مخافة من أنقراضها،أما نحن فنعمل العكس وهذه سر قوتنا؟.