Back Home Next

الجنة والنار في رأي المفسرين، أين هما الآن .......؟

آراء الكاتب

د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com

ونحن اليوم في شهر رمضان المبارك الكريم، ندعوالله (جلت قدرته) الى الرحمة والمغفرة وقبول الثواب وقبولنا ضيوفا في الجنة وأبعادنا عن النار. فالجنة بنظر القرآن ليست هي النعيم وحور العين كما يتصورون وبها يبشرون، بل هي الشرف، والقيم، والكرامة، وأمانة الوطن للأنسان بألتزام الحق وابعاده عن الباطل، بعكس النار المحرقة التي أعدت للخونة والمارقين وأكلت حقوق الناس بالباطل وخونة الأوطان فهي خزي لهم في الدنيا وعار في الأخرة أكيد.


الجنة لغةً:
البستان العظيم الذي يستر ما بداخله، وهي مشتقة من مادة جنَ التي هي بمعنى الستر، لذلك سمي الجن جناً لأستتارهم وأختفائهم عن الأنظار، كما سمي الجنين جنيناً لأستتاره في بطن أمه، ومنه جنون الليل أي شدة ظلمته وستره لمافيه، (انظر لسان العرب كلمة جن).


وأصطلاحاً:
فالجنة هي دار الخلود والكرامة التي أعدها الله تعالى للمؤمنين الصالحين وأكرمهم فيها بالنظر الى وجههِ الكريم، وفيها من النعيم المقيم الأبدي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما في قوله تعالى: ( فلا تعلم َنفسُ ما أخفي لهم من قُرةِ عينٍ جراءَ بما كانوايعملون، السجدة17 ).

تذكُر أغلب التفاسير القرآنية التي خلفها لنا الفقهاء ان الجنة والنار موجودتان الآن وأنهما تنتظران يوم الحساب. وهذا يخالف ما ورد في النص القرآني، الذي يذكر انهما سيأتيان على أثر أنقاض هذا الكون بعد الساعة، وسماها بالنفخة الأولى، وحين يحين وقت النفخة الثانية الذي سيحصل فيها البعث تكون الجنة والنار جاهزتان للثواب والعقاب. كما في قوله تعالى :( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض الا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى فأذا هم قيام ينظرون، الزمر 68).

هذا النص الرباني غابت عن الفقهاء قراءته جيدا وأفهام الناس حقيقة القصد، فهم مسئولون أمام الله عن أخفاء الحقيقة. على القارىء ان يلاحظ كيف وضعت الآية الكريمة بين النفخة الأولى والثانية الأداة (ثم) لمجيء التعاقب فيها مع التراخي. ففي الأولى جاءت النفخة هي الصيرورة الأولى أي الفعل لما قد يحدث فيها، والثانية جاءت أسم جنس كما في قوله تعالى: ( ونفخ في الصورفجمعناهم جمعا، الكهف99، أما في الصيرورة الثانية كما في قوله تعالى: ونفخ في الصورذلك يوم الوعيد، سورة ق20).

لقد وصف القرآن البعث بالخروج من الموت الى الحياة كما في قوله تعالى: ( والذي نزل من السماء ماءً بقدرٍ فأنشرنا به بلدةً ميتاً كذلك تُخرجون، الزخرف 11).

ان البعث كما صوره القرآن الكريم هو خروج الناس من الموت المستمر الى الحياة بكينونة مادية جديدة لا تغير في صيرورتها. فالجنة والنار مصطلحات علمية بحته قدمها القرآن للناس لدراستها وايجاد الحلول الواقعية لمسيرة الحياة أغفلها المفسرون لجهلهم بتفسيرها، وما الوعيد بالجنة الوارفة الظلال والنار المحرقة الا تحذيرا وتنبيهاً للناس بضرورة التزام قوانين الحياة التي ما خلقها الله عبثاُ (ما خلقنا هذا باطلا) وليست تقولات وتهديدات يقولها الخارجون عليهما قاصدين الرفعة ومنفعة الحياة وخدمة السلطة المنحرفة لا غير.

خذ اخي القارىء آيات الزمر 68، 74، الكهف 99، وآل عممران 133، وهود 106-108، وأقرئها بنفسك وعد الى لسان العرب في اللغة ستجد ان الآيات تدل على انه سيحصل تبدل في السموات والأرض وتخلق سموات وارض جديدة بقوانين مادية جديدة كما في قول الحق: ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات، أبراهيم 48). ويقول جنة عرضها السموات والأرض، آل عمران 133. اي ان السموات والأرض الجديدة هي المكان الذي ستعرض فيه الجنة، وكذلك النار (وعرضنا جهنم يومئذٍ للكافرين عرضا، الكهف 001). هنا العرض والطول في الآية للتشبيه وليس للعرض والطول الحقيقي بقياس الامتار كما يظنون، وانما للعرض المادي المحيط بهما ولا غير.

لا حظ كيف يقول الحق في سورة هود: ( فأما الذين شَقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، 106، خالدين فيها ما دامت السموات والأرض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد، 107، هنا يبن الخالق ان الدخول الى النار شيء والخلود فيها شيء اخر، لان ليس كل من يدخل النار سيخلد فيها. تلك مشيئة الله وهو بها أعلم وهو رؤوف بالعباد.

اما في الآية 108 فيقول الحق: (واما الذين سُعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذٍ) . للدلالة على ثبات الثواب، بعكس النار التي هي الاخرى فيها الخلود واحتمال المغفرة.

ومن ملاحظة النص القرآني ان استقرار النقيضين في الجنة والنار لاختلاف الموقفين من الانسان حسناته من سيئاته، وكل يعاقب بقدر ما ارتكب من مخالفات القانون الآلهي. فأين الجنة والنار اللتين يتكلم عنهما الفقهاء في التفسير، واين عذابات القبر التي يهددون به البشر.

ان الله لا يظلم احدا، ولا يهدد أحدا، ولا يخيف أحدأ، فالتهديد والوعيد ونشر الرعب والخوف هو من صنعهم لأعطاء أنفسهم صفة التقديس، ولا شيء مقدس الا القرآن وخالقه، وانما جاء عرضة للترغيب والنصيحة في الأستقامة (الصراط المستقيم) والابتعاد عن المساوىء كي لا يسود الظلم بني الأنسان. فالحياة خلقت وفق معاييرميزان دقيق أدق من ميزان الذهب كما في قوله تعالى: ( فمن يعمل مثقال ذرة ٍ خيراً يرهُ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرهُ، الزلزلة 7-8). فهل يعي الفقهاء القول ليعملوا به وفق ما جاء من رب العالمين؟
والله يهدي الى كل رشاد،


 

 Back Home Next