Back Home Next

 

عن شارع الرشيد وبغــداد العتيقة

بحث تاريخي يجمع بين المعلومات و الطرافة

حين قام خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني بتوسيع وتعديل الطريق العام ، الممتد من الباب الشرقي الى باب المعظم وجعله شارعا باسم ( خليل باشا جاده سي ) ، لم يستحضر خارطة بغداد والمهندسين ويأمرهم بفتح شارع على وفق الهندسة والاستقامة ،
ولكن القناصل الاجانب الذين كانوا يسكنون في الباب الشرقي على نهر دجلة وكبار القوم من محلة باب الشيخ ، كانوا يسلكون عند ترددهم  على السرايا الحكوميه بالعربات على هذا الطريق

شارع الرشيد عام 1913

 

شارع الرشيد عام 1920

لذلك فان خليل باشا ، انما قام بتوسيع الطريق وتعديل استقامته على قدر المستطاع وذلك لاسباب حربية وتسهيل حركة الجيش العثماني وعرباته فتم العمل في هذه "الجادة" بصورة مستعجلة ارتجالية ، لانه كان يصطدم بمعارضة العلماء ورجال الدين عند ظهور عقبة تعلق ببروز احد الجوامع على الطريق كما يصطدم باملاك المتنفذين والاجانب المشمولين بالحماية على وفق الامتيازات الاجنبية . ولقلة المال المتوفر للاستملاك لذلك وجب حصول الانحناءات في الشارع تبعا لهذه العراقيل وبدأ بتهديم املاك الفقراء والغائبين ومن لا وراث لهم واصبح الطريق ممهدا واسعا تسلك فيه وسائط النقل بسهولة. وسمي (خليل باشا جاده سي) وكانت اللوحة المعدنية المؤشرة على ذلك معلقة على جدار جامع السيد سلطان علي الى مابعد الخمسينيات من القرن الماضي ، وسمي هذا الطريق عند اهل بغداد باسم (الجادة العمومية - جاده بالتركيه=شارع بالعربيه) ثم سمي ( الشارع العام ) وعندما اجتمعت لجنة تسمية الشوارع والمحلات في الثلاثينيات من القرن الماضي اطلق عليه اسم ( شارع الرشيد ) وبقيت الانحناءات والنتوءات في الشارع على حالها . الا في حالة نقل رفات " امام طه" (حاليا موقع تمثال الرصافي ) ليلا وبصورة سرية الى سلمان باك ، حين كان ارشد العمري اميناً للعاصمة وكذلك حين تهديم الحائط المائل من جامع مرجان بمواجهة البنك المركزي والبارز في داخل الشارع بحجة انه مائل الى الانهدام وارجع الى الخلف بضعة امتار وفصل الجامع عن الخان (خان مرجان) التابع له وبهذا توسع وعدل نوعا ما شارع الرشيد.

عربات النقل في بغداد عام 1930

 

ولمعرفة مافي شارع الرشيد في العشرينيات نبدأ جولتنا فيه من باب المعظم الى الباب الشرقي ونبدأ من (الطاق الكبير) المرتفعة الى اكثر من عشرة امتار وفيه الباب الحديدي الكبير لمدخل بغداد من هذه الجهة ، وعلى جانبيه بابان صغيران تحت الطاق المقوس لمرور السابلة وفي خارج هذه الباب الصغيرة يجلس ( دزدبانية = جامعي ) الضرائب ويقع جامع الازبكية في اول الطريق العام ثم جدار القلعة وبابها المفتوح دائما ( وزارة الدفاع ) وقد سمي جامع الازبكية لان افراد شعب الاوزبكستان يتجمعون فيه مع دواليبهم حيث كانوا يمتهنون حد السكاكين ، ويسمونهم (الجراخين) وكانوا قد جاءوا مع الجيش العثماني عند فتح بغداد . وكانت ساحة القلعة ملعبا لكرة القدم وعلى جهة النهر السجن القديم والذي يسمى سجن القلعة، كما كانت ساحة القلعة محل استعراض كشافة المدارس الابتدائية وحدث في هذه الساحة وبحضور الملك فيصل الاول ان دخلت جاموسة هائجة من باب القلعة في الميدان واثارت الفوضى والاضطراب الى ان تمكنت الشرطة من قتل الجاموسة وحكم على صاحبها بالسجن. لانه لم يتخذ الاحتياط اللازم وكانت العادة ان تربط في ساق الجاموسة الامامية المشتبه بها عصا كبيرة تعوقها عن الحركة.

ثم تاتي مدرسة المأمون بعد سلسلة من المقاهي الشتوية والصيفية في السطوح وقد سجل الملك فيصل الأول نفسه معلما في المدرسة المأمونية... وقد سميت بهذا الاسم لان البناء العباسي في القلعة كان ايوانا لقصر المأمون ، وقام الملك فيصل الأول ايضا بتسجيل ولي العهد "غازي" تلميذا في هذه المدرسة، وكانت له من الكشافة فرقة خاصة سميت فرقة الامير غازي وانتخب افرادها من الطلاب النابهين،

وخلف المدرسة المأمونية يربض طوب (ابو خزامة) مع شموعه والخرق البالية فيه ثم ساحة الميدان وقهوة خليفة التي تحتل نصف الشارع مقابل حديقة الميدان الصغيرة وسياجها الحديدي المسمى ( القفص ) وكانت كلمة القفص تعني الشتيمة لان من يقترب من القفص او يدور حوله يتهم بالشذوذ الجنسي او سوء السلوك على اقل تقدير فالشتيمة كانت ان يقال عن الشخص بأنه (قفصلي او ابن القفص)...

اما الجهة اليسرى من الشارع فكانت تبدأ بدائرة عسكرية وبعده ساحة لوقوف الدواب وبيعها وقد شيد في محلها محطة بنزين باسم محطة بنزين باب المعظم وهي الان المكتبة المركزية العامة وبعدها ساحة تضم التكية الطالبانية وكان يديرها المرحوم علي ! الطالباني الذي حقق وطبع الديوان الشعري لجده الشيخ رضا الطالباني اشهر شاعر في القرن التاسع عشر باللغة العربية والتركية والكردية واشتهر بقسوة الهجاء...

وبعد التكية ياتي خان ( علو ) المشهور وهو مركز العرباين والعربنجية، ثم جامع المرادية وخلف الجامع يقع الزقاق المؤدي الى دربونة ومحلة راس الكنيسة التي تعتبر اقدم كنيسة في بغداد ثم مدخل طريق الصابونجية وعلى ناصيته البيت الفخم للوجيه الموصلي اسماعيل الحجي خالد الذي تركه في الثلاثينيات لانه لم يستطيع العيش والسكن في الميدان المحلة التي اصبحت تحتوي على محلات شرب الخمور والدعارة... وبعد قهوة خليفة وقهوة البلدية نصل الى سوق الميدان الكبير ثم اوتيل الهلال الذي كانت تغني فيه (بدرية السواس) وجماعتها والذي غنت فيه ام كلثوم ايضا في الثلاثينيات...

وبعده ياتي سوق الهرج الكبير ، وهو مجمع اللصوص والمحتالين والمعدمين ممن  يبيع ويشتري مايحتاجون من بضائع الحرام و الحلال... وعلى راس السوق وعلى الطريق العام مباشرة بيت (عبد الحليم الحافاتي)... ثم الشارع المؤدي الى حمام الباشا وكراج ( كوترل وكريك ) ثم قهوة (امين) التي سميت قهوة (الزهاوي) ثم بيت احمد القيماقجي ابو الدكتور احسان القيماقجي وشناشيل غرفة استقباله المطلة على شارع الرشيد مباشرة،،،

ثم دكان (الحاج  زبالة) ابو  شربت الزبيب المعروف، ثم قهوة (حسن عجمي) ثم مدرسة شماش اليهودية ثم دكان (الحلبي الحجي خيرو) أول من عمل شربت اللوز (برمبوز) في بغداد ، ثم مطعم الشمس وهو اول مطعم في بغداد، وبعده تاتي ديواخانة بيت رؤوف الجادرجي التي استأجرها حزب الاخاء الوطني وجعلها مقرا له... ثم الطريق المؤدي الى امانة العاصمة وفي اوله يقع المعهد العلمي الذي كان يهيء الجرائد للقراء المجانية نهارا وفي المساء ينقلب الى معهد لتدريس اصول التجارة ومسك الدفاتر.

وفي الناحية الاخرى من الطريق كانت مدرسة الصوفية التي يرتادها جميل صدقي الزهاوي بعد ان يكون خادمه قد ربط حمارته الحساوية البيضاء المسرجة والملجمة جوار المعهد العلمي...

بعدها شارع الاكمكخانة وسمي (المتنبي) والاكمك بالتركية تعني الخبز... وفي اخر هذا الشارع ومقابل قهوة الشابندر كان الفرن الكبير لصنع صمون العسكر في زمن العثمانيين لذلك سمي جادة الاكمكخانة، وعلى راس هذا الشارع مخزن ومحل اسطوانات حوريش وابن عمهم مغني المقام العراقي يوسف حوريش... وعلى الركن الاخر من الشارع خرائب مسقفة بالكواني (الاكياس) وفيها كان بيت (زماوي) بائعة الكبة (وام جهاد) بائعة خبز باب الاغا المشهور والذي يضرب به المثل وقد عميت ام جهاد، وتسل (جهاد) العمل  بعدها ولكن خبز جهاد لم يكن مثل خبز امه وقد اصيب جهاد بالعمى كذلك ...

ثم تاتي بعدها حمام( كجو)... وبعده بقالو باب الاغا، ودكان (عبدو السوري الدمشقي) اول من عمل الدوندرمة السورية في بغداد... ثم دكان رئيس البقالين في باب الاغا (جبارة ابو قنبورة) وذلك قبل ان يتولى اولاد الحجي (احمد كنو) عبود وسلمان ورزوقي وعمهم مهدي كنو ابو صالح ومجيد زعامة سوق باب الاغا وقد هدمت هذه الدكاكين واقيم محلها البنك اللبناني المتحد... وعلى زاوية الشارع ارض خراب اشتراها الشيخ عبد الله مبارك الصباح ... والى جهة اليسار من شارع الرشيد وابتداءاً من بيت اسماعيل حجي خالد كانت توجد سينما العراق المهمله والتي لايدخلها الا رواد محلة الميدان... ثم تاتي دربونة ( المبغى العام او "الكلجية" او الكرخانة او العمومخانة) وكلها اسماء لهذا المحله وكانت الحكومة قد اغلقت مدخله في الشارع العام وفتحته من الخلف والى اواسط العشرينيات كان الاعلان المكتوب على الجدار الخارجي باللغة العربية والا نكليزية والهندية لم يزل ظاهرا والطريف ان الاعلان بالعربية جاء فيه (ممنوع الخشوش من هنانا)... ثم تاتي قهوة (عارف اغا) ثم جامع الحيدر خانة ثم دربونة الخشالات ثم سوق باب الاغا ابو الخضراوات ثم دكان بائع الهريسة والسويكة ثم مدخل محلة العاقولية ثم امام طه الذي نقل(ارشد العمري) امين العاصمة رفاته ليلا الى سلمان باك ثم ساحة الرصافي الحاليه التي حلت محله...

ثم قهوة فتاح وبعدها مباشرة دربونة الدشتي التي يسكن فيها ال كنو البقالون منهم وغير البقالين... ودربونة الدشت هي الدربونة الوحيدة في هذه المنطقة التي ينظم فيها موكب عزاء عاشوراء (السباية) برئاسة عبود كنو وادارة علوان مدرع الشاعر الشعبي، وكان مركز تجوالها نفس الدربونة مع الذهاب الى مدخل سوق الصفافير ثم ترجع الى محلة الامام طه ثم تمر في الازقة التي تسمى الان (عقد الجام) ثم تعود الى دربونة الدشتي وتتفرق السبايه...

ثم ياتي حمام (بنجة علي) ويكاد يختص باهالي وعمال سوق الصفافير والشورجة وسوق البزازين!... ثم خان فتح الله عبود... ثم مدخل سوق الشورجة... ثم جامع مرجان الذي كان جداره متصلا بالشارع مباشرة وقامت الحكومة بهدمه بحجة انه مائل للانهدام وكان مائلا فعلا وقيل ان البلدية سربت الماء الى الاساسيات فجعلته يميل ثم هدم وارجع الجدار الجديد عدة امتار الى الوراء فاصبح الشارع اكثر عرضا وجعلت له رصيفا واسعا اتجاه البنك المركزي العراقي ولقد كانت المناوشات مستمرة بين الحكومة وامانة العاصمة حول جامع مرجان الذي يدخل كالقوس في الشارع وحاولت تهديمه عدة مرات لولا وقوف مديرية الاثار العامة والعلماء والمثقفين في بغداد ضد الفكرة ومن الطريف ان احد امناء العاصمة عقد مؤتمرا صحفيا في قاعة الامانة وقال (اني استغرب هذا الاهتمام الشديد بجامع عتيق خرب وانا مستعد ان ابني مكانه بعد تهديمه جامعا اكبر وافخر فلم هذا الالحاح والتمسك به؟) وهكذا فقد طلعت الجرائد في اليوم الثاني تشيد بذكاء هذا الامين وثقافته وتمسكه بالمحافظة عل التراث اكثر من تمسك (المس بل) التي رفضت تهديم جامع مرجان لانه اثر ثقافي تاريخي ومع هذا فقد انعمت عليه الحكومة بان نقلته الى وظيفة مهمة كبيرة اخرى في الدولة...

وبعد جامع مرجان تاتي بنايات ودكاكين حتى نصل الى راس القرية حيث المكتب التجاري الكبير لشركة عبد علي الهندي المستورد وصاحب معامل الثلج والصودا والنامليت والسيفون وتستمر الدكاكين والخرائب الى طريق العبخانة وكان على ناصيته الخياط الهندي ( جي اس فارما) الخياط الخاص للملك فيصل الاول...

ويعد طريق العبخانة وهو الشارع العرضاني الوحيد الواسع ثم سينما الوطني ثم شارع الميكانيك والمضخات الزراعية ومواقف السيارات الذاهبة الى الصويرة وبعدها تاتي شركة عدس لبيع سيارات فورد ثم قهوة ابن ملا حمادي ثم شارع باب الشيخ ثم عدة بساتين صارت الان محلة السنك ونصل الى حديقة الالعاب الرياضية التي انشأها المصارع الخطاط المرحوم صبري بالتعاون مع المصارع يعقوب وكان الاشتراك الشهري في هذه الساحة ربية واحدة... ثم تاتي شركة دخان (لوكس ملوكي) التي كان يملكها جماعة من الارمن...

ثم الزقاق المؤدي الى شركة كتانة وشركة يوسف سعد، ثم مدرسة الصنايع فالكنيسة الانكليزية وهي اخر بغداد من
الجانب الايسر من شارع الرشيد...

اما الجانب الايمن ونحن قادمون من باب المعظم فبعد شارع الدنكجية، تاتي رويال سينما... ثم النجارون في باب الاغا ودكاكينهم الواسعة طولا وعرضا ويختصون بعمل الكواريك للاطفال والتوابيت وكراسي حبوب (جمع حب) الماء وخزانات الثياب من خشب الصناديق الاعتيادي وتسمى المرفع  ثم الصناديق الخشبية الصغيرة والكراسي الواطئة...

شارع الرشيد وشرطي المرور

بعد النجارين نصل الى شركة عزرا مير حكاك واشهر ماتستورده هو الدراجات والكرافونات... ثم كراج نقليات الحجي حمد الشيخلي لنقل البضائع الى الكوت والعمارة وقد اقتطع من ساحة النقل هذه مساحة يشغلها (باقر الكبابجي) ...

تاتي بعدها سوق الصفافير... ثم دكان الحلاق كاظم ومعاونه عبود وهو اشهر الحلاقين في هذه المنطقة وليس فيها من يزاحم الحجي كاظم بلحيته وبكشيدته المقرنصة وحياصته الحريرية وهو حلاق جميع الموجودين في سوق الصفافير والبزازين وما جاورهم وكان يفتح في الصباح الباكر ولا يغلق محله الا بعد الظلام لان الصفارين يعملون حتى المساء ويبقى هو الى ان يغلقوا دكاكينهم...

بعد الحلاق ياتي مكتب نقليات (حييم نثانيل) اليهودي الشهير والذي له فروع في سوريا ولبنان واوروبا ويكاد يماثل شركة توماس كوك في نقل البضائع ، وبعد ان ترك العراق استقر في بيروت على الميناء في اخر شارع اللنبي واشترك معه في العمل بالايام الاخيرة بعض العرب والعراقيين (جوه العباءة = سرا) والمعروف عن مكتبه في بغداد انه كان وقف ذري ولكنه انقلب الى ملك صرف حسب قانون أدعاء حق التملك...

وبعدها تاتي الساحة الكبيرة الواسعة التي تقابل جامع مرجان وفيها يتجمع الباعة ليبيعوا مساء كل مايخطر على البال واولها (الششة والخريط) اما الششة فهي خليط من الحامض حلو وباقلاء يابسة وحمص وحب شجر، اما الخريط فهو قطع صغيرة من العجين الاصفر الاخضر ويستخرج من قصب البردي وليس له طعم ولا رائحة ( كان اليهود يرغبونه ولابد من سبب لذلك)...وفي هذه الساحة نصبت اول ماكنة سيفون والجنجر والصودا والنامليت وكان قبل ذلك يباع جاهزا بالقناني المغلقة بالكرات الزجاجية والتي يجب ان تكبس باليد لفتح البطل وكثيرا ما كانت القنينة تنفجر فيصاب الشخص بالجروح البالغة...

 

ومن نهاية هذه الساحة يبدأ شارع البنك (وسمي بالسمؤل) بخان (الاورطمة) وهو خان مرجان على جهة اليمين وخان علي صائب الخضيري على جهة اليسار ثم صارت بعد ذلك مكتب صيرفة ادوار عبودي و بنكو دي روما في الثلاثينيات وهو الان البنك المركزي وبنك الرافدين...بعدها تاتي دربونة فيها خانات تجارية تسمى دربونة النملة وتتصل بشارع المستنصر = شارع النهر...

شارع الرشيد

ثم محل بيت مسيح لبيع العرق وبعده دربونة جامع الخاصكي وبعد الدربونة مباشرة فتح اول محل في العراق لكي الملابس بالبخار وقد جلبه الارمني ( توماس ميمريان ) وسماه مكوى توماس ميمريان وكان عجبا عند اهل بغداد واجرة الكي روبية واحدة وهو مبلغ محترم جدا في تلك الايام...

بعده تاتي عيادة الدكتور سموئيل ادواتو في اخر ساحة الغريري... وبعدها نصل البناية الضخمة لشركة (بيت لنج) للنقل النهري واستيراد وبيع المضخات المائية المشهورة (رستن والخنزيرة تان جي) ، كان الدخول الى مقر شركة بيت لنج من الباب الخلفي في شارع النهر مقابل دكاكين الصاغه الصابئة اما جهة شارع الرشيد فكانت دكاكين الشركه مؤجره واشهر المستأجرين كان  مكنزي صاحب المكتبة الانكليزية المشهورة باسمه في بغداد والتي اوصى بعد وفاته ان تسلم هبة الى مساعده في الدكان السيد جواد المعروف بكريم مكنزي، وبجوار المكتبه الخياط البيروتي الشهير علي رضا...بعدها تاتي تكية السيد البدوي وحديقتها...

وبعدها سنترال سينما الذي جرت فيه حفلة المصارعة المشهورة بين الهركريمر الالماني والمصارع العراقي الحجي عباس الديك بتحكيم المرحوم اكرم فهمي والتي انتصر فيها العراقي حجي عباس الديج ، وقد احترقت هذه السينما وشيد مكانها سوق عبود... وبعدها ياتي الزقاق المؤدي الى بيتي عائلة الزئبق  والباججي والتي تحولت الى محلات المصورين ارشاك وعبوش وكازينو شريف وحداد ( لصاحبيها عبد الله شريف واسماعيل حداد) اللذان كانا موظفين في كمرك بغداد... ثم ياتي بعدها  اوتيل مود قبل ان ينتقل الى الكرخ ( وكان يديره محمود النعماني وطباخه الايطالي كوستا...وقد شيد بدل هذا الاوتيل وما جاوره من العقارات اسواقا ومحلات تجارية ومنها المصور الدرادو...

ثم تاتي مباشرة الارض الواسعة التي اتخذت كراجا ومحلا لتصليح وادامة سيارات شركة نيرن، وشيد مكانها  بناية شركة اوروزديباك حتى نهر دجلة وبجوارها مباشرة جامع السيد سلطان علي وهو مركز رواد الطريقة الرفاعية ومقر عميدها الشيخ ابراهيم الراوي... ثم ياتي الطريق الى شريعة السيد سلطان علي وهي من اهم شرائع بغداد سعة وازدحاما... ثم تاتي محلة الجنابيين... وعلى جهة شارع الرشيد كان دكان الايراني البهاني الذي يبيع احسن انواع الفستق والبندق واللوز وبقية المكسرات... ثم دكاكين الارمن الذين يبيعون البسطرمة والكيك واللبن الرائب... ثم البيت الكبير العائد للوجيه الارمني البغدادي سركيسيان والذي اتخذ محلا للمشروبات وللرقص كملهى وفيه اتهمت الفنانة المشهورة التي كانت تستاجره (صبيحة كسرى) بقتل احدى الفنانات العاملات لديها بأن رمتها من فوق السطح  وقد براتها المحكمة من هذه التهمة وكان المعروف عن "صبيحة كسرى" (ام اكرم) شقاوتها ومراجلها وجمالها ، وقد كسبت هذا اللقب لبقائها طوال فتره أحتفالات الربيع في منطقة سلمان باك أيام "الترفيه"...

ثم ياتي قصر النقيب الكبير على دجلة مباشرة ثم دار المقيم البريطاني الذي اتخذ دائره لكمرك بغداد بعد انتقالها من دربونة الدخانية في سوق الصفافير وكان مديره الانكليزي المستر ( مونك ) والذي أشتهر بقيامه بعملية تهريب موظفي الكمرك بواسطة الزوارق النهرية، ذلك ان اكثر موظفي الكمرك كانوا يستدينون من المرابين النقود على اساس دفعها عند قبض الراتب وتجمع المرابون الدائنو ن في باب الدائرة بانتظار نهاية الدوام وملاقاة الموظفين لقبض بعض الديون وصادف ان كان حلول عيد الفطر وحين علم المستر مونك بهذا التجمع واسبابه  اتصل بالجهه المسؤولة وارسلوا زورقين بخاريين من شريعة السيد سلطان علي وبعث فيها الموظفين الى بيوتهم قبل انتهاء الدوام وحرم الدائنين من قبض ديونهم لذلك الشهر...

بعد دائرة الكمارك ياتي بستان الوقف الكبيرة التي بني فيها فندق السندباد وفندق سمير اميس...بعدها عدة بساتين اتخذت مقهى كبير استأجرها (هوبي) وكان يغني فيها رشيد القندرجي ، وفي ركن منها مخزن لبيع الخشب وبني في نهاية البساتين البيت الكبير لمناحيم دانيال الذي سكنه الملك فيصل الاول على اثر غرق البلاط سنة ...1936 ثم ياتي القصر الذي كان يقيم فيه القنصل البريطاني وبعده قائد القوات البريطانية، وقد بقي المدفعان وسارية العلم البريطاني المرفوع حتى الثلاثينيات من القرن الماضي بعدها اتخذ هذا القصر مقرا لوزارة الاقتصاد... 

ثم تاتي القصور العائدة لعبد القادر الخضري والحجي ياسين الخضري ثم قصر الباججي وهو في نهاية شارع الرشيد حيث الكنيسة الانكليكانيه ( الانكليزية).

تلك كانت جغرافية وتاريخ شارع الرشيد فانه لم يكن يسمى شارع الرشيد بل سمي اولا خليل باشا (جاده سي) ثم سمي الجاده العمومية ثم الشارع العام واخيرا اجتمعت اللجنة التاريخية الادبية لوضع اسماء الجادات فاطلقت عليه اسم (شارع الرشيد) ...

كان شارع الرشيد متربا غير مستويا الا بضعة امتار في منطقة الميدان كانت مرصوفة بالطابوق وكان منخفضا في ساحة الميدان وامام سوق الصفافير وجامع مرجان وراس القرية لذلك كان عمل الحمالين ايام المطر رائجا في هذه المناطق لحمل الناس لكي يعبروا الشارع من جهة الى اخرى، اما ازدحام العربات بانواعها والحيوانات ثم السيارات فقد كان بالغا ومزعجا حيث كان شارع الرشيد المركز والسوق التجاري الوحيد في بغداد... وقد وصفه أحد الرحالة الأنكليز  في حينها بقوله "العراق بغداد ، وبغداد شارع الرشيد"...وقد خصص للشارع بضعة افراد من الشرطة تدربوا لتسهيل المرور في دورة خاصة أشرف عليها (بريسكوت) مفتش الشرطة الاقدم لتهيئة شرطة مرور يساعدون الانضباط العسكري البريطاني ( ام بي ) والبسوا الشرطة المذكورين في اذرعهم اكياساً بيضاً مخططة بالاسود علامة على انهم مسؤولون عن النظام في الشارع

وفي اوائل العشرينيات حصلت فوضى كبيرة في الشارع على اثر الاعلان عن تبديل نظام السير من اليمين الى اليسار فقد كان السير سابقا وفقا للنظام البريطاني الذي يكون فيه مقود السيارة الى الجهة اليمين، وقامت شركة (كوترل وكريك) و (بيت يوسف سعد) و (الاسطى سلمان الميكانيك) الذي صار بعدئذ المسؤول عن ميكانيك سيارات الشفروليت عند (بيت لاوي) والاسطى احمد الميكانيكي في الميدان، بعملية تحويل مقود السيارة من اليمين الى اليسار ... اما الاضطراب فكان في العربات لان الخيل المتدربه والمعتاده ان تكون جهة اليمين من العربة تشوش عليها الامر واضطرب سيرها عند ربطها على جهة اليسار ، وحصلت التصادمات وسقطت الخيول في الشارع وبعد اسابيع استقام الحال واعتادت الخيول على نظام المرور الجديد...

أعمدة ( دنك ) شارع الرشيد المتميزه

 

لم يكن في شارع الرشيد شوارع فرعية الا بعض الطرق المؤدية الى نهر دجلة مثل طريق الصابونجية في الميدان وطريق العباخانة في سيد سلطان على وطريق باب الشيخ، وكانت المشكلة الرئيسيه اليوميه في الشارع هي اثناء عبور العربات على الجسر ايام الفيضان حيث يكون الجسر اعلى من مستوى الشارع ولا يستطيع سائق العربة ابقاف الخيل على مثل هذا المنحدر وحتى ان استطاع وجذب اللجام بقوة فان الخيل تتزحلق بسبب نعومة النعلجات لذلك كان يحصل الاصطدام بالسيارات وبالناس وذهبت ضحايا كثيرة اخرها قرب باب جامع الامام الاعظم حيث اصطدم (اوخ) العربة وهي الخشبة الطويلة التي تربط الحصانين بالعربة بمؤخرة احدى سيارات الباص الصغيرة وتهشم الزجاج الموجود بالجهة الخلفية من السيارة حيث قتل صبيان ذبحا بالزجاج وجرح اخرون بالاوخ...

لقد كانت المنطقة المحصورة بين باب الاغا وراس القرية اكثر المناطق ازدحاما بالناس والعربات والحمير المحملة بالبضائع من شريعة المحكمة او شريعة الجسر، كونها قلب المنطقة التجارية في بغداد وقد حاولت الحكومة اصلاح الحال ومنع العربات من المرور في الشارع ولكنها لم تفلح وقد اصدر ارشد العمري امين العاصمة اوامره "بان على سواق الحمير والكدش بان لا يقودوا اكثر من ثلاثة دواب في ان واحد"، فازدادت المشكلة تعقيدا بكثرة السواق وتنافسهم وشجارهم ومعاركهم .