Back Home Next

 

فضل القرآن على اللغة العربية 

من كتاب فيه مصادر مختلفه

 بقلم الدكتور رضا العطار

ridhaalattar@yahoo.com

 

كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من عزيز حكيم.  نزل به الروح الأمين على الرسول عليه السلام منجّما مقسطا في ثلاث وعشرين سنة، حتى تستعد القوى البشرية لتلقي هذا الفيض الألهي، وهو معجزة الأسلام الكبرى، اذ لم يبلغ اي كتاب ديني او دنيوي ما بلغه من روعة البيان ومس المشاعر واسر القلوب، سواء حين يتحدث عن عظمة الكون وجلاله او حين يشرّع للناس ما به صلاح معاشهم، او يصور لهم جمال الفردوس مكافئة لسلوكهم، او يقص عليهم من انباء الرسل الاولين وما فيه من العبر للمؤمنين.

 

فأنه في الأسلوب لا يباري في قوة الأقناع وبلاغة التركيب.  فهو طراز وحده، له سحره البياني بل له اعجازه الذي انقطعت آمال العرب دونه في محاكاته او الاتيان بشئ على مثاله في السيطرة على الالباب.  وقد تحداهم جل ذكره ان ياتوا بسورة من مثله، فعجزوا وذلّوا.

 وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين

 

يقول الجاحظ: ( بعث الله محمدا عليه السلام في زمن اكثر ما كانت العرب فيه شاعرا وخطيبا، واحكم ما كانت لغة، واشد ما كانت عدّة، فدعاها من اقصاها وادناها الى التوحيد وتصديق الرسالة.  فلما ازال الشبهة ووضعهم امام الاقرار بجهلهم وحيرتهم، نصبوا له الحرب. فدل ذلك على عجز القوم مع كثرة خطبائهم ووفرة شعرائهم. لأن سورة واحدة كانت كافية ان تنقض اقوالهم وتكشف اكاذيبهم في الخروج من الاوطان. وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والفضل، ولهم الرجز الفاخر والخطب البليغة واللفظ المنثور. )

 

وكان طبيعيا ان يستكين العرب امام هذه الذروة الرفيعة من البلاغة والبيان وهي ذروة ليس لها في اللغة العربية سابقة ولا لاحقة، ذروة جعلت العرب حين يستمعون الى ايات القرآن، يخرون على وجوههم لربهم ساجدين، مشدوهين بجماله مبهورين ببلاغته.

( لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله )

 

ولا زال هذا الشعور يختلج قلوب المؤمنين من المسلمين في العصر الراهن لما يفتح لهم من افاق العالم العلوي وما يؤثر بهم في صميم الوجدان الروحي. 

 

ان القرآن يمتاز باسلوب خاص به، فهو نظم بديع، فُصلت آياته بفواصل تطمئن النفس الى الوقوف عندها، وتتنوع هذه الفواصل بين طوال وقصار بتنوع موضوعاته، يغلب عليه الايجاز والاشارة في بدا الدعوة قبل الهجرة حين كان الرسول عليه السلام يدعو الى عبادة الله  ونبذ الاصنام،

 

فلما انتقل عليه السلام الى يثرب غلب عليه البسط والاطناب لبيان نظم الشريعة وما ينبغي ان تكون مصالح البشر في حياته مبنية على نظام العدل الاجتماعي على اختلاف الامكنة والزمنة.

 

وقد اثّر هذا الكتاب العظيم آثارا بعيدة في اللغة العربية، فقد حوّل ادبها من قصائد في الغزل والهجاء والاخذ بالثأر ووصف الخيل والجمل والسيوف والرماح الى ادب عالمي يخوض في مشاكل الانسان و الحياة، ينظم اموره الدينية والدنيوية، فأرتقى الادب العربي رقيّا لم يكن يحلم به، واتسعت آفاقه، فظهرت فيه الفاظ مثل القرآن والفرقان والكافر والمشرك والمنافق والصلاة، فمدلولات هذه الالفاظ لم تكن حى كان.

 

فالقرآن بروعة لغته نظم الحياة الاسرية تنظيما ادبيا:  ماديا ومعنويا عقليا وروحيا، تنظيما يكفل سعادة الانسان على اكمل وجه.  وعلى نحو ما جمع العرب على دين واحد وعلى لهجة واحدة من لهجات اللغة العربية، هي لهجة قريش. بعد ما كانت تسود لهجات القبائل العدنانية في الشمال زمن الجاهلية على لهجات القبائل اليمنية في الجنوب.

 

وكانت اللغة العربية هي التي حملها العرب معهم في فتوحاتهم، فأنتشرت في العالم الاسلامي جميعه من الصين الاطلسي، اذ كانت تلاوته فرضا مكتوبا على المسلمين.

(ورتل القرآن ترتيلا). وبذلك اصبح للقرآن فضل عظيم في حفظ اللغة العربية وذيوعها وانتشارها في ملايين كثيرة من الناس عبر اجيال متعاقبة وقرون مترادفة الى اليوم. 

 

فالقرآن هو الذي حفظ اللغة العربية الدهور المتطاولة، وقد حوّل العربي من انسان جاهل يؤمن بالخرافات الى انسان محب للعلم شغوف بالمعرفة، يطلبها اينما وجد.  ولم يلبث ان فتح له الارض فدخلت الى العربية امم شاركت في لسانها وادبها، وتعاونت في النهضة الروحية والاجتماعية والادبية والعلمية، ومن الحق ان كل ما كسبته لغتنا العربية من اداب في الشعر والنثر ومن علوم شرعية ولسانية وعقلية فلسفية انما كان بفضل القرآن، بل تعدت آثار لغته الى لغات الامم الاسلامية التي لا تنطق بلغته. 

 

لنتصور،  حالة العرب، لو لم يبلغهم الرسول عليه السلام برسالته، لما فارقت لغتهم جزيرة العرب، ولظلوا وثنيين في تنابذ شقاق وحروب، بل لعل لغتهم كانت قد اندثرت كما اندثرت لغات قديمة كثيرة.  فالقرآن هو الذي نفخ في روحها، وهو الذي اتاح لها الحياة على توالي الزمن، وهو الذي نقلها من لغة بداوة الى لغة حضارة، حتى اصبحت لغة عالمية لأمم كثيرة اتخذتها لسان ثقافتها وآدابها.  ولا يوجد في تاريخ البشرية كتاب له هذه الاثار الجسيمة في تغيير احوال الانسان نحو الاحسن، بل هو وحده في هذا الباب، انه مفخرة العرب ومعجزة الأسلام وآيته الباهرة.                 


Back Home NextBack to Home go to top of page