-
اولا: ان توظيف الكذب والتزوير لتضليل الراي العام من خلال
التاثير على عقول وقناعات الناس ليس بالامر الجديد، فهو سلاح العاجز والمهزوم والمخادع، ولقد وظف الجبابرة والطغاة والانظمة الاستبدادية والديكتاتورية، الكذب والتزوير والخداع لتضليل
الناس بما يسهل عليهم حكمهم والسيطرة على مقدرات البلاد، ولا نجانب الحقيقة اذا سقنا نظام آل سعود الحاكم في الجزيرة العربية كابرز مصداق على هذه الحقيقة، فلقد وظف آل سعود رساميل
ضخمة في مجال الاعلام لتضليل الراي العام الاسلامي والعربي، بل والعالمي، من اجل خداع الناس بوصفهم حماة دين الله تعالى الاسلام، والدين وربه منهم براء، فكانت اول خدعة عندما وصف
كبيرهم نفسه (خادم الحرمين الشريفين) مدعوما بفتاوى فقهاء البلاط وحشد كبير من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، حتى اعتقد بعض المغفلين انه بالفعل ولي الامر الذي يجب طاعته
على كل حال، تصور.
لقد وظف الطاغية يزيد بن معاوية كل شئ من اجل تضليل الراي العام، من اجل تهيئته لاستيعاب خبر قتل سبط رسول الله (ص) اذا ما ورد الخبر بلاد الشام، ولقد نادى قائد جيشه في كربلاء عمر بن
سعد بن ابي وقاص، بالعبارة (يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري) ايذانا ببدء الهجوم المسلح على الحسين السبط عليه السلام واهل بيت رسول الله وصحبه الميامين، كما انه ختم الحرب بامر
اصدره لجنده قائلا: (لينزل احدكم ويحتز راس الحسين حتى نقيم الصلاة جماعة).
وظل الناس ضحية اعظم خدعة في التاريخ الى يومنا هذا عندما يردد بعضهم مقولة (ان سيدنا فلان قتل سيدنا علان لانه كان يوالي سيدنا تلان) بسبب فتاوى تلفق واسماء تحور وصور تبدل وروايات
تستقطع من سياقها العام.
-
ثانيا: ان اضخم شبكة للكذب والتزوير والخداع اليوم هي تلك التي
يديرها ايتام الطاغية الذليل المنتشرين في مختلف دول العالم، تدعمهم رساميل آل سعود وامثالهم وفقهاء التكفير وجماعات العنف والارهاب، مستفيدين من كل وسائل الاتصال الجمعي، خاصة
الانترنيت، للتاثير على الراي العام، وخاصة العراقي، في مسعى منهم لتدمير العملية السياسية الجديدة التي يشهدها العراق منذ سقوط الصنم.
والمتتبع لنشاط هذه الشبكة يلحظ انها توظف كل شئ لتحقيق هدفها، فلقد وظفت الكاريكاتير والنشيد والاغنية والشعر وافلام الكارتون والخبر والصورة وكل شئ، وبشكل مكثف جدا، لدرجة انهم
يمطرون المتلقي يوميا بمئات الرسائل الالكترونية، فيحاصرونه من كل مكان ومن كل الاتجاهات، حتى يكاد ان يستسلم لكذبهم وتزويرهم وخداعهم.
-
ثالثا: اننا اليوم نعيش في عالم التكنلوجيا والتطور العلمي
والاختراعات الالكترونية الدقيقة، ما سهل عملية التزوير والخداع بدرجة كبيرة جدا، بل مخيفة، بعد ان سخر كثيرون كل هذه التكنولوجيا في تزوير ما يريدون، للطعن بما لا يحبون وبمن يكرهون.
لقد تحولت الخدعة في عصرنا الحالي الى اصل والحقيقة استثناء، لانها ابسط مهنة ممكنة بالنسبة لكل من يريد ان يعبث بالحقيقة.
ان خدع التكنولوجيا اضحت اليوم في متناول الجميع، بعد ان كانت محصورة بيد مؤسسات معنية بها ومحدودة، فاذا كنا فيما مضى نفغر افواهنا متعجبين ومستغربين ومندهشين اذا ما راينا خدعة
سينمائية معينة، فاننا اليوم بتنا نشهد كل هذا الكم الهائل من الخدع التي يمارسها كل من يهوي هذه اللعبة، فاذا اراد احدهم ان يغيض احدا او يؤذي خصما تراه نشرها على الانترنيت وكانها
الحقيقة الناصعة.
-
رابعا: تاسيسا على هذه الحقيقة، فان من الواجب علينا جميعا، ومن
اجل ان لا نتحول الى ضحية من ضحايا الكذب والتزوير والخداع، او ان نشترك في عمليات تزوير الراي العام، ان لا نصدق بكل ما يرد الينا عبر البريد الاليكتروني، وان لا نسلم بكل ما نراه في
صفحات الانترنيت.
ان البعض منا، وللاسف الشديد، يصدق بكل صورة يراها ويستسلم لكل خبر يقراه ويقتنع بكل معلومة يسمع بها، من دون ان يجهد نفسه ولو قليلا من اجل ان يتثبت من الصورة او الخبر او المعلومة
قبل ان ياخذ بها او يينشرها.
كما ان البعض منا يعمد فور استلامه لاية رسالة اليكترونية الى توزيعها على مجموعة العناوين البريدية التي في حوزته، من دون ان ينتظر حتى ولا لحظة واحدة، وكانه في سباق محموم مع
الاخرين، وهو بذلك يتحول الى مروج للاكاذيب في اغلب الاحيان، كما انه في هذه الحالة يشترك في عملية تضليل الراي العام من حيث يريد او لا يريد، وهو بذلك يتحول الى عميل لجماعات التضليل
من حيث يشعر او لا يشعر.
ولشد ما يدهشني ان من بين هؤلاء ممن هو على درجة عالية من الثقافة والمعرفة، بل ان فيهم من هو كاتب على صفحات الانترنيت ويحمل شهادات علمية مرموقة، فكيف اجاز لنفسه ان يتحول الى مروج
لمثل هذه الاكاذيب والخدع من دون تريث او تدقيق؟.
صحيح ان بعضهم يبادر فور اطلاعه على الحقيقة ومعرفة الخدعة الى تعميم رسالة اعتذار لكل من بعث له وعمم عليه الرسالة الاليكترونية، الا ان ذلك لا يغفر له خطاه، خاصة اذا تكرر اكثر من
مرة.
اوليس ان الواجب المعرفي والاخلاقي يحتم عليه التثبت قبل النشر؟ وتاليا قبل الاعتذار؟.
اتمنى على كل من يمارس هواية تدوير الرسائل الاليكترونية ان يتثبت من محتواها قبل ان ينشرها، والا فانا اخشى ان شبكات التزوير والخداع توظفنا في خدمة اغراضها واهدافها من حيث لا نشعر.
وان طريقة التثبت من فحوى الرسالة امر سهل جدا، فاما ان يسعى المرء بنفسه لذلك من خلال البحث في المصادر، مثلا، او الشخص المنسوب اليه الخبر او ما اشبه، والحمد لله، فلقد سهلت
التكنولوجيا، كذلك، هذه المهمة علينا، اذ لم نعد بحاجة الى المزيد من الوقت والجهد للتثبت من صحة امر ما، فالانترنيت سهل علينا المهمة كثيرا، كما انه وفر علينا الكثير من الوقت
والجهد.
اما اذا كان المرء مشغولا لا يسعه الوقت للتثبت بنفسه، فان عليه، في هذه الحالة، ان يستعين بمن يثق به من اساتذته مثلا او اقاربه او اصدقائه او زملائه او ما الى ذلك، للتثبت من الامر.
ان من المهم جدا ان يكون لكل واحد منا مستشارون امناء وثقاة، اصحاب معرفة وخبرة، يرجع اليهم عند الحاجة، ليتاكد من خبر او يتثبت من صورة او يستفسر عن اسم او ما الى ذلك.
وبهذا الصدد، اود ان اسجل هنا اعمق آيات التقدير والاعجاب لبعض الاصدقاء الذين يبادرون بين الفينة والاخرى الى استشارتي فيما يستلمونه من بعض الرسائل الاليكترونية المشكوك فيها او ما
يقراونه او يرونه في مواقع الانترنيت، فلقد آليت على نفسي، شخصيا، ان لا أأل جهدا من اجل تقديم اصدق وادق الاستشارات لامثالهم.
اتمنى ان تتحول هذه الحالة الى عادة يتصف بها كل من يسعى لمعرفة الحقيقة ازاء كل شئ مشكوك فيه لا يقدر هو بنفسه على التثبت منه، من اجل ان لا تظل شعوبنا ضحية التضليل، فكم من كذبة هزت
امة؟ وكم من خدعة شلت بلد ودمرت شعب؟ والى متى يظل بعضنا يروج للتضليل من حيث لا يشعر؟ وينتمي الى شبكات التضليل من حيث لا يدري؟.
-
خامسا: واخيرا، فان البعض يتصور، ومن منطلق الحرص على الحقيقة، ان
على المعنيين ان يردوا على كل كذبة تروجها شبكات التضليل، وعلى كل صورة تزورها وعلى كل خبر مكذوب، واقول:
-
الف؛ ليس من المعقول ان يرد المعنيون على كل كذبة، خاصة في هذا الزمن الذي اضحت فيه الكذبة هي الاصل
والصدق استثناء، وصدق الشاعر عندما قال:
لو كل كلب عوى القمته حجرا لاصبح الصخر مثقالا بدينار
-
باء؛ ان احد اخبث اهداف هذه الشبكات هو اشغال المعنيين بعملية التغيير الكبرى عن اهدافهم النبيلة،
وسيعينهم المعنيون على تحقيق ذلك اذا قرروا الرد على كل كذبة يطلقونها او خبر ينشرونه، لانهم سينشغلون بذلك عن التفكير والبحث والانتاج، ما يعرقل مشروعهم الحضاري.