Back Home Next

 

نظرات  في  التاريخ  خاطئة

آراء الكاتب

د.   عبد الجبار العبيدي
أستاذ جامعي
jabbarmansi@yahoo.com

 

ليس من واجب المؤرخ ان يقول الحقيقة، ولكن من واجبه ان يبحث عنها وهذا هو المهم في الدراسات التاريخية الحقة. كتب الاستاذ الدكتور حسين مؤنس استاذ التاريخ الاسلامي بجامعة القاهرة يقول مع التصرف:

مع الاسف  نحن لا نقرأ القراءة الكافية قبل ان نكتب. اليوم  في الاسواق مئات الكتب الصغيرة والكبيرة فيها من المدون ما افسد عقول الناس واخرجهم عن الواقع والحقيقة بعد ان استطاع  فقهاء المناهج من وعاظ السلاطين ادخالها في المنهج الدراسي كحقيقة تعلمها الطلاب ورسخت في عقول الناس.ان اصعب ما نواجهه اليوم هو نزع الخطأ ممن اعتقدوا به صحيحاً.

لقد وقع في يدي اليوم كتابا  للكاتب المصري توفيق ابو علم اسمه (الحسين بن علي). الكتاب يتكلم كلاما ايجابيا عن الامام الحسين (ع)  لكنه لم يسأل نفسه ، لماذا قتل الحسين؟ والجواب لأنه أتجه الى العراق لطلب الخلافة كما يقول،  وكان على الكاتب ان يقرأ التاريخ قبل الاجابة عن هذا السؤال المهم؟ فهل خروج الحسين (ع)  حقاً من اجل الخلافة؟

ونحن نسأل اذا كانت الخلافة شورى بين المسلمين فبأي حق يطالب الامام الحسين بها؟ ألم يكن هذا تجاوزا على الشورى في تولية الخلافة،  ومن يرضى عليه الناس لها؟ لقد كان جواب الكاتب لأنه أبن علي بن ابي طالب، فهل هذا يكفي لترشيحه للخلافة؟ دعونا من الافضلية فهو أفضل من يزيد بألف مرة، وهذا حق، ولكن هل هذا يكفي لأن يكون خليفة؟ ومن وجهة نظري ان هذا لا يكفي... ولأنه لو استلم سلطة الدولة لم يكن بمقدوره ان يكون خليفة قويا وقادراعلى القيام بمسؤليات الخلافة في ذلك الجو المضطرب وهو لازال يافعا لم يستلم سلطة بعد..

ان الذي يقرا الكتاب يقرؤه محبة في الحسين ليس الا؟ لا يفهم شيئا منه سوى العاطفة التي مكنت الكاتب من طبع الكتاب ثلاثة مرات وبيعه في الاسواق لعلمه بأن الناس يهرولون وراء العواطف اكثر من العقول. ان ما جاء في الكتاب ماهو الا ألفاظ خالية من المعنى او الفائدة.

لكن من يقرأ النصوص التي وردت في خروج الحسين من المدينة  الى مكة والمجيء الى العراق غير هذا الذي يذكره الكاتب، ان الهدف من هذه الرحلة الشاقة التي كلفته حياته وأهلة من اجل رد الظلم لا الطمع في الخلافة، لذا قال الامام (ع) عندما سئل وهو في الطريق عن اسباب هذه الرحلة الخطرة قال: والله ما جئت لأقاتل يزيد على الخلافة، ولكن جئت لأقاتل ظلم يزيد على الناس، ( أنظر دائرة المعارف الاسلامية).

من هنا اراد الفقهاء ووعاظ السلاطين ان يحولوا الدفاع عن المبادىء والقيم  الحسينية الراقية والرائعة الى دفاع عن سلطة ولا زالت هذه النغمة الى اليوم ممثلة بالشعائر الحسينية التي ابتكرتها الدولة البويهية في القرن الرابع الهجري، فتلقفتها المناهج الدراسية الرسمية لتحولها دفاع عن السلطة لا دفاع عن المبادىء التي طالب بها أهل البيت في العدالة والحرية.

وننتقل الى موضوع اخرمن مواضيع التاريخ الاسلامي الحافلة بما يسيء الينا. فالمسألة ليست في صدقها او كذبها، بل ان مثل تلك النصوص المكتوبة التي بنيت عليها الاحداث تضر بعقولنا، مما يؤدي بنا الى الهيافة والهشاشة وما أكثرها اليوم فينا. نص ينقله لنا الفخري في الأداب السلطانية يقول فيه: ان الوليد بن يزيد بن عبدالملك قال لأخيه هشام: والله لا أدري ان كنت على الاسلام أم لا.؟

انا أقول من الممكن ان يكون الخليفة قاسيا وماجنا او ما شئت  ان تقول،  أما ان يكون الخليفة كافرا فمن المستحيل، لأن جغرافية ذلك الزمن لا تسمح له في السكن فيها. صحيح نحن نكره بني امية لخروجهم على التشريع،  لكن الامر لا يصل بنا الى احتقار العقل والمنطق، اما كان الاجدر بالمحققيين ان يقفوا على الخبر او النص ليفسروا لنا منطقية قبوله؟

والموضوع الثالث بمناسبة تعيين الحجاج بن يوسف الثقفي واليا على العراق. يقول اليعقوبي ج2ص273 ان عبدالملك كتب للحجاج يقول له:

يا حجاج، فقد وليتك العراقيين صدقة (العراق وفارس) فأذا أتيت الكوفة فطأها وطأة يتضاءل منها اهل البصرة.

وبقصد ان يكون عنيفا مع اهل العراق وحقق لي ما اريد. يقول اليعقوبي: وحين صعد الحجاج المنبر في الكوفة قال:

يا أهل العراق يا معدن الشقاق والنفاق والمراق ومساوىء الاخلاق اقول لكم:

 متى أضع العمامة تعرفوني

 

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

 

ويقول الدينوري: بعد هذه الخطبة جعل الحجاج السيوف تبري الرقاب فهربت العامة بعد ان تلقفتهم السيوف فقتل منهم من قتل وسالت الدماء حتى باب المسجد والى السكك. فهل يعقل ان اميرا يقتل الناس لمجرد ارهابهم، انا استبعد ذلك منطقيا رغم كرهي الشديد للحجاج واعماله في العراق وغيره.

صحيح ان الحجاج من الامراء القساة الذين كلفتهم الدولة بضبط الامن وخضوع الناس للدولة. ولك نسأل العامة والخاصة هل من حاكم حكم دون ان يستخدم القسوة ضد المواطنين منذ عصر الراشدين، الم يستخدم الخليفة الاول اشد القسوة بالمرتدين، وعمر اشد القسوة بالشعوب المفتوحة التي عارضت الاسلام،  وعثمان بالمعارضين على خلافته، ومحاربة علي بما سمي بالخارجين على الدولة.

وتستمر المسيرة القاسية في عهد الامويين والعباسيين والعثمانيين وحتى العصر الحديث، فماذا سيكتب التاريخ عنهم وكيف نصف قتلة العائلة المالكة في بغداد والشيوعيين للمعارضيين في كركوك والموصل،  والبعثيين للمناوئين واليوم لم لا يقبل التصديق؟

ان اسلام ابا سفيان على يد العباس ومناصرة عقيل بن ابي طالب  لمعاوية ضد الامام علي وقتل عبدالله السفاح لبني امية دون رحمة والف تهمة اخرى لكل من اشترك في حكم الدولة. وهذه كلها ان صدقت فهي جرائم سياسية، اي ان جميع هؤلاء المقتولين كانوا منافسين سياسيين لبني امية يريدون انتزاع الخلافة منهم ولا غير. 

ونحن نعلم ان السياسة تعمي البصر، وتضلل الذهن،  وتملاْ القلب قسوة،  وتجعل الانسان يرتكب جرائم لا توصف،  وفي العادة يلعب الاتباع للسلطة ومن يحكم المساعدة والتحريض في كل تلك الجرائم وان لم يوافقهم السلطان عمدوا الى قتله وفي التاريخ شواهد.

و اذا انتهت خلافة الامويين فهل من حق العباسيين والعلويين وراثتها دون رضا العامة؟ كل ذلك نشأ- كما قلنا في مقالات سابقة- من ان احدا لم يضع للخلافة تشريعاً، بل الكل هنا يجمعون على رأي سلبي دون أخر.

اقول ان المشكلة هنا عدم وجود دستور للخلافة يشرع ادارة الدولة .وكل هذه الهلمة الحالية التي حرقت الاخضر واليابس في الدولة الاسلامية البارحة وفي العراق اليوم هي من فعل وجود دستور ناقص مبهم لا يمنح حق السلطة في التشريع، فالخليفة الاموي والعباسي والعثماني كانوا يحكمون بلا دستور ولا قانون  يحدد مدة الحاكم الاعلى، ويضع حدود سلطاته وحقوق المواطنين،  ويحدد مصارف المال العام، مما ادى بالدولة الى الفوضى المالية والارتباك ثم الضعف والانهيار.

 واليوم تكر السبحة في الوطن العربي فتتهاوى العروش وتسقط القمم، وتنهار النظم وكأن من كان بالامس لايصدق انه يزول تراه اصبح نسيا منسيا، والايام كما تداولها دول من تصبح اليوم تنهار غدا، الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في مأمن الزمن. ان العبرة في التاريخ بالحقائق الواقعة  الى جانب المبادىء المعلنة وليعلم الطغاة ان الحكم المطلق هو الذي يغير اخلاق الناس من المتسلطين على حكم البشر، فأين السفاح المبيح، والثائر المبيد فهل يتفكرون؟.

ونحن نقول للعراقيين اليوم:

 اذا لم يصحح الخطأ الذي ارتكب منذ عهد الاحتلال البغيض عام 2003 تصحيحا شرعيا بوضع دستور كامل ومتفق عليه،  ولا يستغفل الشعب بالتصديق عليه كما استغفل في اول الامر،  ستصبح المسألة مسألة عنف وقسوة وغدر وغش، وهذا هو ما ينبغي ان نعرفه دائماً حتى لا نصيب الشعب بأذى ونلحق به شرور السلطة الطامعة الى كل جديد. فهل سنعمد  لتغييرالدستور وقانون الانتخابات والغاء المحاصصة التوافقية القاتلة لتحقيق حقوق الناس،  ومعاملة الاقاليم بالتساوي دون حق لاحد على الاخر، ونقر بالثوابت الوطنية ولا نتجاوزها،  ومحاسبة كل المقصرين وتقديمهم للقضاء ليعلم الشعب حقيقة ما جرى ويجري، ولا نقتل ايامنا كلها بالمشاحنات والمناكفات الفارغة دون عمل ونقر بحقوق الوطن والناس، وننشأ وطنا متكاملا كما أنشأت الشعوب الاخرى أوطانها.

وهل سنعمد الى تغيير المناهج الدراسية البالية لنخرج جيلا عقلانيا لاعاطفيا لتزول الكراهية والبغضاء بيننا الى الابد؟ وبعكسه سيبقى الوطن يراوح مكانه دون امل.

 

Back Home Nextgo to top of page